قلت: ولابن عقيل من هذا الجنس في وأهل الإرادة والعبادة، كلام كثير من هذا الجنس. كما قد تكلم في ذلك طوائف من أهل العلم والدين، لكن من غلب عليه طريق النظر والكلام كان ذمه لمنحرفة العباد أكثر من ذمه لمنحرفة أهل الكلام، وهذا كثير في أهل الكلام والفقهاء، لاسيما في تعظيم الشرع، وذم من يخالفه من أهل النظر والكلام، المعتزلة، وهؤلاء قد لا يعرفون ما في طريق أهل العبادة والتصوف من الأمور المحمودة في الشرع، ومن غلب عليه طريقة أهل [ ص: 69 ] الإرادة والعبادة، كان ذمه لمنحرفة أهل الكلام والنظر أكثر من ذمه لمنحرفة أهل التصوف. وهذا يوجد كثيرا في كلام أهل الزهد والعبادة، لا سيما المعظمين لطريق الصوفية، فمثل أبي عبد الرحمن السلمي، وأبي طالب المكي، وأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، وإن كانوا يذمون من منحرفة وأبي حامد الغزالي، الصوفية ما يذمون، فذمهم لجنس أهل الكلام والبحث والنظر أعظم. ومثل أبي بكر بن فورك، وابن عقيل، وأبي بكر الطرطوشي، وأبي عبد الله المازري، وإن كانوا يذمون من بدع أهل الكلام والفلسفة ما يذمون، فذمهم لما يذمونه من بدع أهل التصوف والتأله أعظم. وأبي الفرج بن الجوزي،
وقد قال الله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [سورة الفاتحة:6-7] ، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « رواه اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون». وصححه. الترمذي
وكان طائفة من السلف يقولون: من فسد من الفقهاء ففيه شبه من [ ص: 70 ] اليهود، ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى. فمن كان فيه بدعة من أهل الكلام والنظر والفقه كالمعتزلة تجدهم يذمون النصارى أكثر مما يذمون اليهود، واليهود يقرءون كتبهم ويعظمونهم. ومن كان فيه بدعة من أهل العبادة والتصوف والزهد، تجدهم يذمون اليهود أكثر مما يذمون النصارى، وتجد النصارى يميلون إليهم، وقد يحصل من مبتدعة الطائفتين من موالاة اليهود والنصارى بحسب ما فيهم من مشابهتهم، وهذا موجود كثيرا، كما دل عليه الكتاب والسنة.
وهذه الطريقة الأولى التي يعتمد عليها من يعتمد، مثل ابن عقيل، وغيرهما، هي التي ذكرها وصدقه ابن الحسين، في "رسالته إلى أهل الثغر"، وهي التي اعتمد عليها في كتابه المشهور المسمى: "باللمع في الرد على أصحاب البدع" وهو أشهر مختصراته، وقد شرحوه شروحا كثيرة، ومن أجلها شرح أبو الحسن الأشعري له. القاضي أبي بكر