الثالث: أن يقول له إخوانه الذين يقولون: إنه لا نهاية له في ذاته: قوله: (إن ما لا يتناهى فكل نقطة منها فوقها نقطة، فكل شيء، منه سفل) - لا يقدح في مطلوبنا، فإن مقصودنا أن لا يكون غيره أعلى منه، بل هو عال على كل موجود، ثم بعد ذلك إذا قدرت أنه ما منه شيء إلا وغيره منه أعلى منه، لم يقدح هذا في مقصوده ولا في كماله، فإنه لم يعل على شيء منه إلا ما هو منه لا من غيره.
وأيضا فإن مثل هذا لا بد منه، والواجب بحسب الإمكان. إثبات صفات الكمال
وأيضا فإن مثل هذا كمال في العلو، ولا يقدح في العالي، أن يكون بعضه أعلى من بعض إذا لم يكن بعضه عاليا عليه.
وأيضا فإن الناس متنازعون في صفاته: هل بعضها أفضل من بعض، مع أنها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه؟ وهل بعض كلامه أفضل من بعض مع كمال الجميع؟
والسلف والجمهور على أن بعض كلامه أفضل من بعض، مع كونها كلها كاملة لا نقص فيها، كما دلت [ ص: 13 ] على ذلك نصوص الكتاب والسنة، كقوله تعالى: وبعض صفاته أفضل من بعض، ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [سورة البقرة: 106] .
وكقوله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه: وفي لفظ: إن رحمتي تغلب غضبي . سبقت غضبي
وقوله: قل هو الله أحد [سورة الإخلاص: 1] . تعدل ثلث القرآن.
وقوله في فاتحة الكتاب: لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها.
فنفى أن يكون لها مثل.
وقوله عن [ ص: 14 ] آية الكرسي أنها أعظم آية في القرآن.
وقوله صلى الله عليه وسلم: أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
وقوله: ، فأخبر أن الفضل بيده اليمنى، والقسط بيده الأخرى، مع أن كلا يديه يمين. يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه، والقسط بيده الأخرى يخفض ويرفع
كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: . المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا
فإذا كانت لم يمتنع أن يكون هو العالي علوا مطلقا، وإن كان منه ما هو أعلى من غيره. [ ص: 15 ] صفاته كلها كاملة لا نقص فيها، وبعضها أفضل من بعض،