ويحرم على كل مكلف ( إفشاء ) أي نشر وإذاعة سر ، وهو ما يكتم كالسريرة وجمعه أسرار وسرائر . قال في القاموس : فشا خبره فشوا [ ص: 116 ] وفشوا وفشيا انتشر وأفشاه نشره . ولعله يحرم حيث أمر بكتمه أو دلته قرينة على كتمانه أو ما كان يكتم عادة . أخرج أبو داود عن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . { جابر } . المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس : سفك دم حرام ، أو فرج حرام ، أو اقتطاع مال بغير حق
وأخرج عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { } ورواه إذا حدث رجل رجلا بحديث ثم التفت فهو أمانة الترمذي وقال حديث حسن .
وأخرج عن الإمام أحمد : { أبي الدرداء } . وأخرج عن من سمع من رجل حديثا لا يشتهي أن يذكر عنه فهو أمانة وإن لم يستكتمه رضي الله عنه : { أنس } قال في الفروع : حرم في أسباب الهداية إفشاء السر . وفي الرعاية يحرم ما خطب نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له . انتهى . إفشاء السر المضر
وفي التنزيل { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا } .
ولما عرض رضي الله عنه بنته عمر حفصة لأبي بكر رضي الله عنه فلم يجبه بشيء قال له بعد أن دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا ، فقال نعم ، فقال إنه لم يمنع أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال رضي الله عنه : { أنس : والله لو حدثت به أحدا لحدثتك به يا أنس ثابت } . أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي ، فلما جئت قالت ما حبسك ؟ قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ، قالت ما حاجته ؟ قلت إنها سر قالت لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا . قال
وذكر الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عبد البر من أسر إلى أخيه سرا لم يحل له أن يفشيه عليه } .
[ ص: 117 ] وقال رضي الله عنه لابنه العباس بن عبد المطلب عبد الله : يا بني إني أرى أمير المؤمنين يدنيك ، يعني رضي الله عنهم ، فاحفظ عني ثلاثا : لا تفشين له سرا ، ولا تغتابن أحدا ، ولا يطلعن منك على كذبة . عمر
وقال الحكماء : ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها : شرب السم للتجربة ، وإفشاء السر إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة ، وركوب البحر وإن كان فيه غنى . ويروى : أصبر الناس من لا يفشي سره إلى صديقه مخافة التقلب يوما ما . وقال بعض الحكماء : القلوب أوعية الأسرار ، والشفاه أقفالها ، والألسن مفاتيحها ، فليحفظ كل منكم مفاتيح سره .
وقال أكثم بن صيفي : إن سرك من دمك ، فانظر أين تريقه . وكان يقال : أكثر ما يتم تدبير الكتمان . وقال الشاعر :
وسرك ما كان عند امرئ وسر الثلاثة غير الخفي
وقال آخر :فلا تخبر بسرك كل سر إذا ما جاوز الاثنين فاش
وإلى ذا ذهب القائل :
إذا المرء أفشى سره بلسانه ولام عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق
إذا ما ضاق صدرك عن حديث فأفشته الرجال فمن تلوم
إذا عاتبت من أفشى حديثي وسري عنده فأنا الظلوم
فإني حين أسأم حمل سري وقد ضمنته صدري مشوم
ولست محدثا سري خليلا ولا عرسي إذا خطرت هموم
وأطوي السر دون الناس إني لما استودعت من سر كتوم
ولا أكتم الأسرار لكن أبثها ولا أدع الأسرار تقتلني غما
وإن سخيف الرأي من بات ليله حزينا بكتمان كأن به حمى
وفي بثك الأسرار للقلب راحة وتكشف بالإفشاء عن قلبك الهما
ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
وإن ضعيف القلب من بات ليله تقلبه الأسرار جنبا على جنب
والحاصل أن على العاقل كتمان السر ، والله ولي الأمر . وقال آخر :
لا تودعن ولا الجماد سريرة فمن الجوامد ما يشير وينطق
وإذا المحك أذاع سر أخ له وهو الجماد فمن به يستوثق