واعلم - وفقني الله وإياك - أن مقام عظيم . وهو من جملة ثمرات المعرفة . فإذا عرفته رضيت بقضائه . وقد يجري في ضمن القضاء مرارات يجد بعض طعمها الراضي . وأما العارف فتقل عنده المرارة لقوة حلاوة المعرفة . فإذا ترقى بالمعرفة إلى المحبة صارت مرارة الأقدار حلاوة . كما قيل : الرضا بالقضاء
عذابه فيك عذب وبعده فيك قرب وأنت عندي كروحي
بل أنت منها أحب حسبي من الحب أني
لما تحب أحب
ويقبح عن سواك الفعل عندي فتفعله فيحسن منك ذاكا
وأما بالكسل عن خدمته والبعد عن أهل الجنة فلا . فإن ذلك منك . وهذا معنى قول بعضهم ارض بما منه لا بما منك . فأما الكسل والتخلف فهو منسوب إليك فلا ترض به من فعلك . وكن مستوفيا حقه عليك ، مناقشا نفسك فيما يقربك منه ، غير راض منها بالتواني في المجاهدة وأما ما يصدر من أقضيته المجردة التي لا كسب لك فيها فكن راضيا بها . كما قالت رحمها الله وقد ذكر عندها رجل من العباد يلتقط من مزبلة فيأكل . فقيل هلا يسأل الله تعالى أن يجعل رزقه من غير هذا ؟ فقالت إن الراضي لا يتخير . رابعة
ومن ذاق طعم المعرفة وجد فيه طعم المحبة . فوقع الرضا عنده ضرورة . فينبغي بالجد في الخدمة لعل ذلك يورث المحبة . فقد قال سبحانه وتعالى { الاجتهاد في طلب المعرفة بالأدلة ثم العمل بمقتضى المعرفة } فذلك الغنى الأكبر والله الموفق . لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به