[ ص: 268 ] قال رضي الله عنه : ويجب الإمام أحمد ، وهو معنى قول هجر من كفر أو فسق ببدعة أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة الناظم ( أو ) يدعو لأمر ( مفسق ) بأن كانت بدعته مفسقة لا مكفرة . وأما إذا كانت مكفرة فبالأولى وقد شمله قوله لأمر مضل ، لأن الضلال يشمل الكفر والفسق ، وعطفه من عطف ( العام على الخاص ) ونكتة ذلك أن الداعي إلى البدعة المفسقة ربما يتوهم عدم وجوب هجره كما له كان فاسقا فإنه لا يجب هجره بل يسن ، لكن لما كان داعية إلى البدعة المفسقة ( احتمه ) أي الهجران بغير ( تردد ) منك ولا شك لارتكابه البدع ، وخلال السوء التي عليها انطبع . فيجب على كل مسلم سليم الفؤاد ، من شعب البدع والعناد ، أن يصرم أهل البدع والإلحاد ، من غير شك ولا ترداد . فهجران الداعي إلى البدع واجب .
على غير من يقوى على دحض قوله
ويدفع إضرار المضل بمذود
قال رضي الله عنه : ويجب الإمام أحمد على من عجز عن الرد عليه أو خاف الاغترار به والتأذي دون غيره . هجر من كفر أو فسق ببدعة أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة
فظاهره أنه متى كان يقدر على الرد عليه لا يجب هجره بل عليه رد قوله كما في كلام الناظم فيرده ( ويدفع ) بالبراهين الظاهرة والحجج الباهرة شبهته إن كان له شبهة أو بسيف الشرع ( إضرار المضل ) للناس الداعي لهم للهلكة واليأس ( بمذود ) قال في القاموس : المذود كمنبر اللسان . وأصل الذود السوق والطرد والدفع كالذياد وهو ذائد .
وقال ابن مفلح في آدابه : وقيل يجب هجره مطلقا وهو ظاهر كلام رضي الله عنه ، وقطع الإمام أحمد به في معتقده قال ليكون ذلك كسرا له واستصلاحا وقال أيضا يعني ابن عقيل : إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان ، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ، ولا ضجيجهم ب ( لبيك ) ، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة . عاش [ ص: 269 ] ابن عقيل ابن الراوندي والمري - عليهما ما يستحقان - ينظمان وينثران هذا يقول حديث خرافة . والمعري يقول :
تلوا باطلا وجلوا صارما وقالوا صدقنا فقلنا نعم
والحاصل أنه يجب هجر من كفر أو فسق ببدعة أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة وهم أهل الأهواء والبدع المخالفون فيما لا يسوغ فيه الخلاف ، كالقائلين بخلق القرآن ، ونفي القدر ، ونفي رؤية الباري في الجنة والمشبهة والمجسمة ، والمرجئة الذين يعتقدون أن الإيمان قول بلا عمل ، والجهمية والإباضية والحرورية والواقفية ، واللفظية ، والرافضة ، والخوارج ، وأمثالهم لأنهم لا يخلون من كفر أو فسق . قاله في المستوعب .
قال : حدثنا الخلال إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري إن رضي الله عنه سئل عن أبا عبد الله ، قال لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه . وقال رجل له جار رافضي يسلم عليه ابن حامد : يجب على الخامل ومن لا يحتاج إلى خلطتهم ، ولا يلزم من يحتاج إلى خلطتهم لنفع المسلمين وهو مراد الناظم بقوله : ويقضي أمور الناس في إتيانه ولا هجر مع تسليمه المتعود ( ويقضي ) أي ينفذ ( أمور ) جمع أمر والمراد به حوادث وشئون ومصالح ( الناس ) الذين لا يقدرون على قضاء حوائج أنفسهم ( في إتيانه ) أي إتيان هذا المخالط لهؤلاء وغشيانه لأبوابهم وجلوسه في أنديتهم ، فهذا لا يجب عليه هجرهم : فتخلص من مجموع كلامالناظم والأصحاب رضوان الله عليه أن من عجز عن الرد أو خاف الاغترار والتأذي وجب عليه الهجر ، وأن من قدر على الرد أو كان ممن يحتاج إلى مخالطتهم لنفع المسلمين وقضاء حوائجهم ونحو ذلك من المصالح لم يجب عليه الهجر ، لأن من يرد عليهم ويناظرهم يحتاج إلى مشافهتهم ومخالطتهم لأجل ذلك ، وكذا من في معناه بخلاف غيره .
وقال ابن تميم : وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم ، والمتظاهر بالمعاصي ، وترك السلام عليهم فرض كفاية ، ومكروه لسائر الناس . [ ص: 270 ] ولا ) يتأتى ( هجر ) ولا يتصور من شخص ( مع تسليمه ) أي تسليم الهاجر على المبتدع ( المتعود ) أي المعتاد بل عليه أن يصرم كلامه ويترك سلامه فلا يبدأه بالسلام ، وإن بدأه المبتدع لا يرد عليه ولا احتشام ، فإن اتباع السنة أولى ، وامتثال الشريعة أحق وأعلى . فإن سلم عليه لم يكن له هاجرا ، ولا عن مودته وصحبته نافرا .
قال رضي الله عنه : إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم { الإمام أحمد } . ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم
( تتمة ) قال : لا يجوز الهجرة بخبر الواحد بما يوجب الهجرة ، نص عليه لحديث { القاضي } والقرف التهمة ، يقال قرفته بكذا إذا أضفته إليه وعبته واتهمته ، وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ بالقرف ولا يصدق أحدا على أحد : قال ابن عبد البر : إذا كان لك أخ في الله تعالى فلا تماره ولا تسمع فيه من أحد فربما قال لك ما ليس فيه فحال بينك وبينه ، وقد قيل في ذلك : معاذ بن جبل
إن الوشاة كثير إن أطعتهم لا يرقبون بنا إلا ولا ذمما
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول
لعم أبي الواشين لا عم غيرهم لقد كلفوني خطة لا أريدها
ولا يلبث الواشون أن يصدعوا العصا إذا هي لم يصلب على المرء عودها
يا ملزمي بذنوب ما أحطت بها علما ولا خطرت يوما على فكري
صدقت في أباطيل الظنون وكم كذبت فيك يقين السمع والبصر