( الرابع ) : قد ولع الناس في شكوى الزمان والدهر والأوان ، وينسبون إليه الإذلال والإعزاز ، والتمادي والإنجاز ، والتأخير والتقديم ، والمهانة [ ص: 560 ] والتكريم وقد ذكرنا من ذلك طرفا وهو بالنسبة إلى ما لم نذكره كقطرة في بحر لجي ، وفي ضمن ذلك اعتراض على الصانع جل شأنه ، كما يفهم من كلام الحافظ ابن الجوزي ، بل هو صريح كلامه ستقف عليه . ومن الناس من صرح بالاعتراض ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وقد روى الشيخان وغيرهما عن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه { أبي هريرة آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار } . يسب بنو
وفي رواية لهما : { } . وفي رواية أقلب ليله ونهاره ، وإذا شئت قبضتهما { لمسلم } . وفي رواية لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر { للبخاري } . لا تسموا العنب الكرم ، ولا تقولوا خيبة الدهر ، فإن الله هو الدهر
وروى أبو داود وقال صحيح على شرط والحاكم عن مسلم أيضا رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل { أبي هريرة آدم يقول يا خيبة الدهر ، فلا يقل أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر ، أقلب ليله ونهاره } . ورواه يؤذيني ابن مختصرا ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { مالك } . لا يقل أحدكم يا خيبة الدهر ، فإن الله هو الدهر
وفي رواية وقال على شرط للحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل { مسلم } . استقرضت عبدي فلم يقرضني ، وشتمني عبدي وهو لا يدري ، يقول وادهراه وادهراه ، وأنا الدهر
إلى غير ما ذكرنا من الأخبار في النهي عن سب الدهر . ومنهم من يذكر ذلك على ضرب عن المجاز من غير تبرم ولا انزعاج ، بل يبدي الحكمة ويسند الفعل لله تعالى ، كقول حسين المملوك رحمه الله تعالى :
كم من جهول في الغنى مكثر ومن عليم في عناء مقيم قد حارت الأفكار في سر ذا
وطاشت الناس فقال الحكيم لا يسأل الخلاق عن فعله
ذلك تقدير العزيز العليم
ولما تعامى الدهر وهو أبو الورى عن الرشد في إيجابه ومقاصده
تعاميت حتى قيل إني أخو عمى ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده
وهؤلاء لا ينفعهم مع هذا اعتقاد إسلام ولا فعل صلاة ولا صيام . بل هم شر من الكفار . ثم دعا عليهم رحمه الله ورضي عنه .
وقال في موضع آخر من الكتاب المذكور : تأملت على قوم يدعون العقول يعترضون على حكمة الخالق جل ثناؤه ، فيبقى أن هؤلاء قد أعطاهم الكمال ، ورضي لنفسه بالنقص . هذا الكفر المحض الذي يزيد في القبح على الجحد . فأول القوم إبليس فإنه رأى بعقله أن جوهر النار أشرف من جوهر الطين فرد حكمة الخالق . ومر على هذا خلق كثير من المعترضين مثل ابن الراوندي والمعري . قال وهذا المعري اللعين يقول كيف يعاب [ ص: 562 ] بالسحق والدهر أقبح فعلا منه ، أترى يعني به الزمان كلا ، فإن ممر الأوقات لا تفعل شيئا وإنما هو ، فكان يستعجل الموت ظنا منه أنه يستريح . ابن الحجاج
وكان يوصي بترك النكاح والنسل ، ولا يرى في الإيجاد حكمة إلا العناء والتعب ومصير الأبدان إلى البلى ، وهذا لو كان كما ظن كان الإيجاد عبثا والحق منزه عن العبث . قال تعالى { وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلا } فإذا كان ما خلق لنا لم يخلق عبثا أفنكون نحن ونحن مواطن معرفته ومحال تكليفه قد وجدنا عبثا ،