واعلم أنه قد كثر السؤال عن مثل هذه المسألة من أن ، فأجبت عنها بأنه إن كان اكتسب المال من وجه حل وأدى الحقوق المطلوبة منه على الوجه المشروع لم يكن وجه لمشاركة الورثة في معصيتهم بالمال بلا محال . الإنسان إذا خلف مالا فعصى به الورثة يكون المورث شريكا لهم في المعصية
وأما إذا جمعه من حل وحرم ومنع منه الحقوق المطلوبة شرعا ، فهذا يعذب بنفس الجمع ، والمنع ، لا بمعصية غيره . ومن ثم يقال : أشد الناس حسرة يوم القيامة ثلاثة : رجل جمع ماله من حل وحرم ومنع منه حقوق الله ، ثم مات فدخل النار فجاء وارثه فوجد مالا حاصلا مجتمعا فصرفه في وجوه البر ، ثم مات فدخل به الجنة فذاك جمعه وصرف في جمعه عمره ، ثم دخل به النار ، وهذا وجده مجموعا [ ص: 63 ] لم يصرف من عمره في جمعه لحظة واحدة ودخل به الجنة .
ومثل هذا عالم علم الناس العلم فانتفعوا بعلمه فدخلوا الجنة ، وهو دخل النار لعدم عمله بما يعلم ، وكذا رجل اشترى عبدا كافرا فأسلم ودخل الجنة ومولاه دخل النار بإساءته إليه ، أو غير ذلك .
وأشار أبو الفتح البستي إلى قضية ما قدمنا من تشبيه الإنسان بدود القز فقال :
ألم تر أن المرء طول حياته معنى بأمر لا يزال يعالجه كدود القز ينسج دائما
ويهلك غما وسط ما هو ناسجه
يفني الحريص بجمع المال مدته وللحوادث ما يبقي وما يدع
كدودة القز ما تبنيه يهلكها وغيرها بالذي تبنيه ينتفع