ولا تذهبن العمر منك سبهللا ولا تغبنن في الغمتين بل اجهد
( ولا تذهبن ) نهي مؤكد بالنون الثقيلة والفاعل المخاطب ، والمراد كل من يصلح أن يكون مخاطبا بمثل ما خاطب به ( العمر ) مفعول به أي الذي لا قيمة له ولا خطر ، ولا يعادله جوهر ولا نضر ، ولا در ولا مرجان ولا لؤلؤ ولا عقيان ( منك ) أيها الإنسان ، المخلوق لعبادة الرحمن ومجاورته في الجنان ، ( سبهللا ) أي غير مكترث بذهابه لا في عمل دنيا ولا آخرة ، كما في القاموس قال : ويمشي سبهللا إذا جاء وذهب في غير شيء ومنه قول صاحب الشاطبية فيها : [ ص: 448 ] لا تذهب عمرك النفيسولو أن عينا ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديما وهطلا
ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا
وروى وصححه الحاكم والترمذي وحسنه عن رضي الله عنه قال { شداد بن أوس } . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني
وقال سيدنا رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر . وكتب إلى عمر أبي موسى : حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة .
وفي تبصرة ابن الجوزي رحمه الله قال : كان توبة بن الصمة بالرقة وكان محاسبا لنفسه فحسب يوما عمره فإذا هو ابن ستين سنة ، فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم ، فصرخ وقال يا ويلتي ألقى المليك بأحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب ، كيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب ، ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت ، فسمعوا قائلا يقول يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى .
قال وقد كان كثير من السلف رضي الله عنهم يستوفي على النفس الأعمال ويكرهها ، عليها اغتناما للعمر . قال : إن الصالحين كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا ، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره ، فينبغي لنا أن نكرهها . قال : وكان ابن المبارك عامر بن عبد قيس رحمه الله تعالى يصلي كل يوم ألف ركعة ، وقال له رجل قف أكلمك ، قال أمسك الشمس . فهؤلاء فرسان الميدان . فاسمع يا مضيع الزمان . شعر :
الدهر ساومني عمري فقلت له لا بعت عمري بالدنيا وما فيها
ثم اشتراه تفاريقا بلا ثمن تبت يدا صفقة قد خاب شاريها