( الثاني ) واجب . وفي ترك المندوب وفعل المكروه مندوب . قاله : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ترك الواجب وفعل المحرم في آخر الإرشاد . وقال غيره أيضا كما في الآداب : فمن القبيح ما يصلح من كل مكلف على وجه دون وجه ، كالرمي بالسهام واتخاذ الحمام والعلاج بالسلاح ، لأن تعاطي ذلك لمعرفة الحرب والتقوي على العدو ، وليرسل على الحمام الكتب والمهمات لحوائج السلطان والمسلمين حسن لا يجوز إنكاره . وإن قصد بذلك الاجتماع على السخف واللهو ومعاشرة ذوي الريب والمعاصي فذلك قبيح يجب إنكاره . ابن عقيل
[ ص: 230 ] وقد سئل رحمه الله ورضي عنه عن ابن عقيل ، فقال طيب الله ثراه : سفه وبطر يكفينا أن نقدم على ذبحها للأكل فحسب ، لأن الهواتف من الحمام ربما هتفت نياحة على الطيران وذكر فراخها ، أفيحسن بعاقل أن يعذب حيا ليترنم فيلتذ بنياحته ، فقد منع من هذا أصحابنا وسموه سفها . انتهى . حبس الطير لطيب نغمتها
وأقول : لا يخفى على عاقل أن كثرة ترنم الطيور على تذكرها إلفها من الأماكن الشاسعة ، والأغذية الناصعة ، والقرين المصافي ، والماء العذب الصافي ، والإطلاق الرحيب ، ومخالطة الحبيب ، مع الوكر المشتهى لديها ، والأغصان والعكوف عليها .
ويعجبني من ذلك أن أعرابيا حبس في قلعة جلق المحروسة فضاق به الخناق ، وبلغت منه الروح التراق ، فدخلت إلي عند المحابيس ، وكان في الحبس اثنان من الديرة فقال لي الأعرابي يا سيدي أنا أقول قاتل الله حابس الطير في الأقفاص فإنه لشجوه وغرمه يترنم والحابس له بشجوه وعذابه وبلباله يتنعم ، ولو عرف ما في جوفه من اللهيب الناشئ عن فراق الإلف الحبيب والمكان الرحيب ، لكان إلى البكا والوصب ، أقرب منه إلى التنعم والطرب ، ولكن هان على الخلي ، ما يلقى الملي .
فقلت له ومن أين عرفت أنت هذا ؟ فقال قسته على نفسي ، وشبهت حبسه بحبسي ، بجامع أن كلا منا نشأ في الفلاة الواسعة ، والأقطار الشاسعة . فانظر حال هذا الأعرابي مع جفائه وغباوته ، وعدم مخالطته لذوي العلوم وقلة درايته ، كيف أدرك هذا المدرك ، تجده قد أصاب في قياسه وأدرك . والله تعالى أعلم . .