قال ولعل مراد الإمام سماع القرآن ، وعذرهم الوارد كما عذر أحمد في الغشي ، كما سنذكره في آداب القرآن . قال في الفروع : وقد قال الإمام يحيى القطان رضي الله عنه أحمد لإسماعيل بن إسحاق الثقفي ، وقد سمع عنده كلام الحارث المحاسبي ورأى أصحابه : ما أعلم أني رأيت مثلهم ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل ولا أرى لك صحبتهم ، وقد نهى عن كتابة كلام والاستماع للقاص به . منصور بن عمار
قال أبو الحسين لئلا يلهو به عن الكتاب والسنة لا غير . وروى { ابن ماجه رضي الله عنها أنها زوجت يتيمة رجلا من عائشة الأنصار وكانت فيمن أهداها إلى زوجها ، قال فلما رجعنا قال لنا [ ص: 157 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلتم يا عائشة ؟ فقالت سلمنا ودعونا البركة ثم انصرفنا ، قال : إن عائشة الأنصار قوم فيهم غزل ألا قلتم يا أتيناكم أتيناكم ، فحيانا وحياكم . زاد في رواية : ولولا الذهب الأحمر ، لما حلت بواديكم ، ولولا الحبة السوداء لما سرت عذاريكم عائشة } وذكره علماؤنا . وذكره عن القشيري في الرسالة . وذكر أيضا بإسناده { أن رجلا أنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال شعرا :
أقبلت فلاح لها
عارضان كالسبج أدبرت فقلت لها
والفؤاد في وهج هل علي ويحكم
إن عشقت من حرج
هل علي ويحكم إن زهوت من حرج
ولأن الغناء إنما هو عبارة عن الأصوات الحسنة والنغمات المطربة يصدر عنها كلام موزون مفهوم . فالوصف الأعم فيه إنما هو الصوت الحسن والنغمة الطيبة ، وهو مقسوم إلى قسمين :
مفهوم كالأشعار . وغير مفهوم كأصوات الجمادات وهي المزامير كالشبابة والأوتار ، والثاني لا شك في حرمته على المذهب المعتمد ، والأول لا تظهر حرمته لأنه صوت طيب بشعر موزون مفهوم ، وقد صحت الأخبار وتواترت الآثار ، بإنشاد الأشعار ، بين يدي النبي المختار صلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار ، والله الموفق .
[ ص: 158 ] وأباحه ) أي الغناء ( الإمام ) المتقن والهمام المتفنن ، أوحد المجتهدين وقدوة العلماء الراسخين ، حامل لواء المذهب ومقرب المأرب الإمام أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء القاضي السعيد ، علامة زمانه ، وفريد عصره وأوانه ، ونسيج وحده ، ووحيد دهره ، صاحب المعالي والمفاخر ذو القدم الراسخ ، والبحر الزاخر ، وأصحاب الإمام رضي الله عنه له يتبعون ولتصانيفه يدرسون ، وبأقواله يقتدون ، وكانت دولته مبسوطة ، وأحواله مضبوطة ، وعلماء المذاهب يجتمعون إليه ، ويعولون في جميع شؤونهم عليه ، ولمقالته يستمعون ، وبحسن عبارته ينتفعون ، وقد علم له من الحال ، ما يغني عن المقال ، ولا سيما مذهب إمامنا الإمام أحمد رضي الله عنه ، واختلاف الروايات عنه ، وما صح لديه منه ، مع معرفته بالقرآن وعلومه ، والحديث ومنطوقه ومفهومه ، وتحليه بالورع والصيانة ، والتعفف والديانة ، والزهد والقناعة والتذلل والضراعة . صحب أبي عبد الله أحمد بن حنبل ابن حامد إلى أن توفي ابن حامد سنة ثلاث وأربعمائة ، وتفقه عليه وبرع في ذلك . ولد القاضي السعيد رضي الله عنه لتسع وعشرين أو ثمان وعشرين ليلة خلت من المحرم سنة ثمانين وثلاثمائة وتوفي ليلة الاثنين بين العشاءين تاسعة عشر رمضان سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، وصلى عليه ولده أبو القاسم يوم الاثنين بجامع المنصور . ودفن في مقبرة الإمام رضي الله عنه . ومن أصحابه أحمد أبو الخطاب الكلوذاني . وولد صاحب الترجمة القاضي وابن عقيل وجموع . أبو يعلى الصغير
فأباح القاضي رضي الله عنه الغناء واستماعه ( مع الكره ) أي مع الكراهة ( فانشد ) للغناء ولا تقل هو حرام على رأي هذا الإمام بل غاية أمره أن يكون مكروها كراهة تنزيه ، وهذا المذهب . قال في الإقناع والمنتهى والغاية وغيرها : ويكره الغناء واستماعه بلا آلة لهو ويحرم معها قال في الإنصاف : قال في الرعاية : ويكره سماع الغناء والنوح بلا آلة لهو ، ويحرم معها ، وقيل وبدونها من رجل وامرأة . وقيل يباح ما لم يكن معه منكر آخر وإن داومه أو اتخذه صناعة يقصد له ، أو اتخذ غلاما أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس ردت شهادته .
فقد علمت أن [ ص: 159 ] المسألة ذات ثلاثة أقوال . المذهب المعتمد الإباحة مع الكراهة ، وقيل يحرم ، وقيل يباح بلا كراهة .