( و ) وهما لفظان مترادفان معناهما واحد . قال يحرم ( سخرية والهزو ) الجوهري : الهزو السخرية وفي الحديث { } ؟ أي أتهزأ بي . أتسخر مني وأنت الملك
وفي القاموس هزأ منه وبه كمنع وسمع هزءا وهزءا ومهزأة سخر كتهزأ واستهزأ ، ورجل هزأة بالضم يهزأ منه وكهمزة يهزأ بالناس . وقال سخر منه وبه كفرح سخرا وسخرا وسخرة هزئ كاستخر والاسم السخرية .
قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن } قال الضحاك : نزلت في وفد تميم كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة لما يرون من رثاثة حالهم .
والقوم وإن كان اسما يجمع الرجال والنساء إلا أنه قد يختص بالرجال ، فمن ثم عطف عليه قوله { ولا نساء من نساء } وقد روى [ ص: 131 ] أن قوله تعالى { أنس ولا نساء من نساء } نزلت في أم المؤمنين رضي الله عنها قال لها النساء يهودية بنت يهوديين . صفية بنت حيي بن أخطب
وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم في الآخرة باب من الجنة فيقال لهم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا جاء أغلق دونه فما يزال كذلك حتى إن أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال له هلم فما يأتيه من الإياس } رواه مرسلا . البيهقي
وفي هذا وعظ لمن اتعظ وإيقاظ لمن تيقظ . قال العلامة الشيخ مرعي في أقاويل الثقات : الاستهزاء من باب العبث والسخرية فمعنى يستهزئ بهم يعني يجازيهم على استهزائهم وهو من باب المشاكلة في اللفظ ليزدوج الكلام ك ( { جزاء سيئة سيئة مثلها } { نسوا الله فنسيهم } والمعنى يعاملهم معاملة المستهزئ ، أما في الدنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم واستدراجهم بالإمهال ، وأما في الآخرة فيروى أنه يفتح لأحدهم باب الجنة فيسرع نحوه فإذا سار إليه سد دونه ثم يفتح له باب آخر فإذا أقبل عليه سد دونه .
وهذا الذي قاله على طريقة الخلف . وأما مذهب السلف فلا يؤولون ولا يكيفون فيؤمنون بما أخبر لا كما يخطر في أوهام البشر ، والله الموفق .
( تنبيه ) : المستهزئ بغيره يرى فضل نفسه بعين الرضى عنها ، ويرى نقص غيره بعين الاحتقار ، إذ لو لم يحتقر غيره لما سخر منه . وفي صحيح وغيره عن مسلم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } قال المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى ههنا ، التقوى ههنا ، التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم . كل المسلم على المسلم حرام : دمه وعرضه وماله الحافظ ابن رجب في شرح النووية : المتكبر ينظر إلى نفسه بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص فيحتقرهم ويزدريهم ولا يراهم أهلا لأن يقوم بحقوقهم ولا أن يقبل من أحد منهم الحق إذا أورده عليه .
وقال في قوله صلى الله عليه وسلم { } يعني يكفيه من الشر احتقار أخيه المسلم ، فإنه إنما يحقر أخاه [ ص: 132 ] المسلم لتكبره عليه ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم . والكبر من أعظم خصال الشر
وفي صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { مسلم } أي بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة هو احتقارهم وازدراؤهم كما جاء مفسرا عند لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ، فقال إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق - أي دفعه ورده - وغمط الناس . الحاكم
وأخرج الإمام : مالك ومسلم وأبو داود عن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } قال إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم سمعته بالنصب والرفع ولا أدري أيهما قال يعني بنصب الكاف من أهلكهم ورفعها . وفسره أبو إسحاق الإمام مالك إذا قال ذلك معجبا بنفسه مزدريا بغيره فهو أشد هلاكا منهم ، لأنه لا يدري سرائر الله في خلقه . انتهى .
قال الحافظ ابن رجب : وإذا كانت التقوى في القلوب فلا يطلع أحد على حقيقتها إلا الله عز وجل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { } رواه إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم . فكثير من يكون له صورة حسنة أو مال أو جاه أو رياسة في الدنيا ويكون قلبه خرابا من التقوى ، ويكون من ليس له ذلك قلبه مملوءا من التقوى فيكون أكرم عند الله عز وجل بل ذلك هو الأكثر وقوعا . مسلم
وأخرج عن الإمام أحمد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عقبة بن عامر آدم طف الصاع لم تملئوه ، ليس لأحد فضل على أحد إلا بالدين أو عمل صالح } ورواه إن أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد ، وإنما أنتم ولد بلفظ { البيهقي } وفي رواية له { ليس لأحد على أحد فضل إلا بالدين ، أو عمل صالح ، حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا } قوله طف الصاع بالإضافة أي قريب بعضكم من بعض . ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو تقوى ، وكفى بالرجل أن يكون بذيا فاحشا بخيلا
[ ص: 133 ] وأخرج عن الإمام أحمد رضي الله عنه { أبي ذر } . وأخرج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى بإسناد فيه من يجهل عن البيهقي رضي الله عنهما قال { جابر بن عبد الله خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال : يا أيها الناس إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد . ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى . إن أكرمكم عند الله أتقاكم . ألا هل بلغت ؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال فليبلغ الشاهد الغائب ، ثم ذكر الحديث في تحريم الدماء والأموال والأعراض } .
وروى في الصغير الطبراني عن والبيهقي مرفوعا وموقوفا قال أبي هريرة والمحفوظ الموقوف { البيهقي } . وفي الحديث الصحيح { إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي ألا إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا ، فجعلت أكرمكم أتقاكم ، فأبيتم إلا أن تقولوا فلان بن فلان خير من فلان بن فلان ، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم ، أين المتقون } من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه
. وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه بإسناد حسن عن والبيهقي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أبي هريرة آدم وآدم من تراب ، مؤمن تقي ، وفاجر شقي ، لينتهين أقوام يفتخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها } . إن الله عز وجل أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ، الناس بنو
وفي رواية { } . وفي رواية { أهون على الله من الجعل يدفع الخرء بأنفه } قوله عبية الجاهلية هي بضم العين المهملة وكسرها وتشديد الباء الموحدة مكسورة وبعدها ياء مثناة تحتية مشددة أيضا هي الكبر والفخر والنخوة ، والجعلان جمع جعل بضم الجيم وفتح العين المهملة دويبة أرضية . الذي يدهده الخرء بأنفه
قال في حياة الحيوان : الجعل كصرد ورطب جمعه جعلان ويقال له أبو جعران وهو دويبة معروفة تسمى الزعقوق وهي أكبر من [ ص: 134 ] الخنفساء شديد السواد في بطنه لون حمرة للذكر قرنان يوجد كثيرا في مراح البقر والجاموس ومواضع الروث يتولد غالبا من أخثاء البقر ، ومن شأنه جمع النجاسة وادخارها ومن عجيب أمره أنه يموت من ريح الورد وريح الطيب ، فإذا أعيد إلى الروث عاش .
وفي كلام شيخنا الشيخ عبد الغني النابلسي : ومن أين للجعلان تعبث في الورد وفي لامية ابن الوردي :
أيها العائب قولي عبثا إن طيب الورد مؤذ بالجعل
وفي كلام : المتنبيكما تضر رياح الورد بالجعل
وله جناحان لا يكاد أن يريان إلا إذا طار ، وله ستة أرجل وسنام مرتفع جدا ، وهو يمشي القهقرى إلى خلفه وهو مع هذه المشية يهتدي إلى بيته ويسمى الكبرتك . وإذا أراد الطيران تنفس فيظهر جناحاه . ومن عادته أنه يحرس النيام ، فمن قام منهم لقضاء حاجته تبعه من شهوته للغائط لأنه قوته . وقوله يدهده أي يدحرج وزنه ومعناه .وفي مسند والشعب أبي داود الطيالسي عن للبيهقي مرفوعا { ابن عباس } . لا تفخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما يدحرج الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية
والحاصل أن كل فقد باء بالإثم والوزر المبين . من افتخر على إخوانه واحتقر أحدا من أقرانه وأخدانه أو سخر أو استهزأ بأحد من المؤمنين