مطلب : روح المديون محبوسة بدينه حتى يقضى عنه دينه .
وقد ثبت في عدة أحاديث أن . روح المديون محبوسة بدينه حتى يقضى عنه دينه
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : سألت أبي رضي الله عنه عن رجل استدان دينا على أن يؤديه فتلف المال من يده وأصابه بعض حوادث الدنيا فصار معدما لا شيء له فهل يرجى له بذلك عند الله عز وجل عذر وخلاص من دينه إن مات على عدمه ولم يقض دينه ؟ فقال هذا عندي أسهل من الذي اختان وإن مات على عدمه فهذا واجب عليه . فظاهر هذا أنه يعاقب على ذلك أو يحتمل العقاب والترك والله يعوض المظلوم إن شاء . وقد ورد في الخبر أن الله يعوض عن بعض الناس ويدع بعضا .
وقد نص الإمام رضي الله عنه والأصحاب على صحة أحمد ، ولم يفرقوا بين كون سببه محرما أو لا ، وبين التائب لامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على من عليه ثلاثة دنانير أو ديناران ولم يخلف وفاء حتى ضمنها ضمان دين الميت المفلس كما في الصحيحين والمسند والسنن وغيرها . أبو قتادة
والظاهر من الصحابة قصد الخير ونية الأداء ، وأنهم عجزوا عن ذلك .
وعندنا يجتمع القطع والضمان على السارق . وذكره الإمام في المغني إجماعا على بقاء العين ، مع أن الحد كفارة لإثم ذلك الذنب لقوله عليه الصلاة والسلام { الموفق } متفق عليه . ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة
وفي المجلد التاسع عشر من فنون ما نصه : وأنا أقول المطالبة في الآخرة فرع على المطالبة في الدنيا ، وكل حق لم يثبت في الدنيا فلا ثبات له في الآخرة . ومن خلف مالا وورثه فكأنه استناب في القضاء والدين كان مؤجلا ، فالنائب عنه يقضي مؤجلا والذمة عندي باقية ولا أقول الحق متعلق بالأعيان ، ولهذا تصح البراءة منه ، ويصح ضمان دين [ ص: 585 ] الميت ببقاء حكم الذمة ، فلا وجه لمطالبة الآخرة . ابن عقيل
فقيل له الذي امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه كان معسرا ; لأنه سأل هل خلف وفاء فقيل لا ، وقد أجل الشرع دين المعسر أجلا حكيما بقوله ( { فنظرة إلى ميسرة } ثم أجله حال الحياة لم يوجب بقاءه بعد الموت حتى شهد الشرع بارتهانه ، فقال : تلك قضية في عين فيحتمل أن يكون عند النبي صلى الله عليه وسلم علم بأنه كان مماطلا بالدين ثم افتقر بعد المطل بإنفاق المال ، فحمل الأمر على الأصل الذي عرف منه . وقضية الأعيان إذا احتملت وقفت فلا يعدل عن الأصل المستقر لأجلها ، والأصل المستقر هو أن كل حق موسع لا يحصل بتأخيره في زمان السعة والمهلة نوع مأتم ، بدليل من ابن عقيل لا يأثم بخلاف من مات بعد خروج الوقت مع التأخير والإمكان من الأداء . مات قبل خروج وقت الصلاة
وقال الشيخ في شرح الهداية في مسألة مجد الدين : الغارم الذي لم يقدر في وقت في الأوقات على قضاء دينه غير مطالب به في الدنيا ولا في الآخرة ، فاعتبر القدرة لا المطالبة . ومثله قول صرف الزكاة في الحج الآجري فإنه قال : بعد أن ذكر الخبر أن الشهادة تكفر غير الدين . هذا إنما هو فيمن تهاون بقضاء دينه وأما من استدان دينا وأنفقه في غير صرف ولا تبذير ثم لم يمكنه قضاؤه فالله تعالى يقضيه عنه مات أو قتل . انتهى .
وحاصل هذا كله أن من فإنه يطالب به في الآخرة عند الإمام أخذ مالا بغير سبب محرم بقصد الأداء وعجز إلى أن مات حتى ولو صرفه في مباح ، وفي كونه صريحا أو ظاهرا نظر . قال أحمد ابن مفلح : ولم أجد من صرح بمثل ذلك من الأصحاب . وعند القاضي والآجري وابن عقيل وأبي يعلى الصغير وجماعة لا يطالب به . وظاهر إطلاق كلامهم ولو صرفه في محرم أو أتلفه عبثا ولعله غير مرادهم ، اللهم إلا أن يتوب من ذلك . ثم رأيت والمجد ابن مفلح صرح بأن إنفاقه في إسراف وتبذير ليس سببا في المطالبة به خلافا للآجري ، مع أنه مطالب بإنفاقه في وجه غير منهي عنه .
وأما من أخذه بسبب محرم وعجز عن الوفاء ولو ندم وتاب فهذا يطالب به في الآخرة . ولم نر من ذكر خلاف هذا من متقدمي الأصحاب ، وظاهره ولو أنفقه في مباح [ ص: 586 ] أو مطلوب . نعم في كلام صاحب الرعاية أنه متى عجز عن الوفاء وندم وتاب لا يطالب به . قال ابن مفلح في الآداب الكبرى عن كلام صاحب الرعاية : إنه غريب بعيد لم أجد به قائلا ، وإن احتج لذلك بأن التوبة تجب ما قبلها فالجواب الحكم المعلوم المستقر في الشريعة أنه لو أحمد ألزم بأدائه ، وأنه لو أجاب بأن قال تبت من ذلك فلا يلزمني أنه لا يقبل منه بلا شك ، وأنه لو قبل ذلك لتعطلت الأحكام وبطلت الحقوق ، ولأن غايته أنه لا ذنب له . ادعى عليه أنه غصب منه كذا فأقر به
ومن أخذه بسبب مباح لا يمنع من طلبه به وإلزامه به إجماعا ، فهذا أولى لظلمه . وأما إن فإنه لم يمكن القول بأن صاحبه لا يجازى عليه ولا أنه يتبع به غير المكلف ; لأنه يفضي إلى تكليفه ودخوله النار بتحميله من سيئات صاحب المال . وقد نقل الإمام أنفقه وأتلفه مسلم غير مكلف رضي الله عنه إجماع العلماء على أن من مات مسلما صغيرا من أهل الجنة ، فتعين أنه بمنزلة حرقه وغرقه من المصائب والله أعلم . أحمد