مطلب : في أن . توبة التائب إما أن تكون لله أو لحق آدمي
واعلم رحمك الله تعالى ووفقك أن الحق الذي تاب منه التائب إما أن يكون لله أو لآدمي ، والأول إما أن يكون بترك واجب يمكن استدراكه وقضاؤه كالصلوات والحج والصيام ونحوها أو لا ، كعدم معرفته وتعظيمه وتحليل ما حلله وتحريم ما حرمه ، فالأول لا بد مع التوبة - من التقصير في عدم الأداء وفوت وقت العبادة المؤقتة - من قضاء تلك العبادة حيث قدر بأي وجه أمكن .
والثاني : وهو التفريط في معرفته وتعظيمه وتبجيله ، وتعظيم ما عظمه وتحقير ما حقره ، وتحليل ما حلله وتحريم ما حرمه ، تجزئ منه التوبة . فإن كان مما يوجب الكفر فلا بد من الإتيان بالشهادتين وإثبات ما أنكر وإنكار ما كان اعتقد مما يوجب الكفر ، والإسلام يجب ما قبله ، وإن كان حق آدمي محض ، هذا لا يكاد يوجد فكل حق لآدمي يتعلق به حق الله ; لأن معاطاة ما لا يشرع معصية ، والإقدام على المعصية من حقوق الله ; لأن الله حد حدودا يجب الوقوف عليها ، ولا يخلو حق الآدمي من كونه إما ينجبر بمثله من الأموال والجراحات وقيم المتلفات أو لا ، فالأول لا بد من رد كل مظلمة لأهلها من مال ونحوه وتمكين ذي القصاص منه على الوجه المشروع فإن ؟ تاب وندم وأقلع وعزم أن لا يعود ولم يرد المظالم إلى أهلها فهل تقبل [ ص: 576 ] توبته أم لا
ظاهر كلام شيخ الإسلام وغيره أن التوبة تقبل ، ويسقط بها حق الله تعالى من الإقدام وانتهاك حرمته تعالى وتعديه حدوده ، ويبقى في ذمة العاصي مظلمة الآدمي ومطالبته على حالها ; لأنه قال نحن لا نمنع أن يكون مطالبا بمظالم الآدميين ولكن لا يمنع هذا صحة التوبة ، كالتوبة من السرقة وقتل النفس وغصب الأموال ، فإنها صحيحة مقبولة والأموال والحقوق للآدمي لا تسقط .
وأما لا ينجبر بمثله بل جزاؤه من غير جنسه كالقذف والزنا والغيبة والنميمة ، فالتوبة عن هذا النوع بالندم والإقلاع وكثرة الاستغفار للمغتاب ونحوه وإكذاب نفسه مما قذفه به ، وكثرة الإحسان لمن أفسد عليه زوجته وزنى بها ، ولا يحتاج إلى إعلامه ولا استحلاله من ذلك كله كما اختاره القاضي وشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وجماعة ، وهو الذي ذكره سيدنا الشيخ قدس الله سره . عبد القادر
وقيل إن علم به المظلوم استحله وإلا دعا له واستغفر له ولم يعلمه . قال شيخ الإسلام : وهو قول الأكثرين . وقد روى بإسناده عن أبو محمد الخلال مرفوعا { أنس من اغتاب رجلا ثم استغفر له من بعد غفر له غيبته } . وبإسناده عن مرفوعا { أنس كفارة من اغتيب أن يستغفر له } لأن في إعلامه إدخال غم عليه . قال القاضي فلم يجز ذلك . وكذلك قال الشيخ رضي الله عنه إن عبد القادر ما روى كفارة الاغتياب رضي الله عنه وذكره . وخبر أنس المذكور ذكره الإمام الحافظ أنس ابن الجوزي في الموضوعات ، وذكر مثله من حديث وفيه سهل بن سعد سلمان بن عمرو كذاب ، ومن حديث وفيه جابر حفص بن عمر الأيلي متروك . وذكر أيضا حديث في الحدائق مع أنه قال : إنه لا يذكر فيها إلا الحديث الصحيح . أنس