مطلب : في التنبيه على . بعض مناقب الفقر وأن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء
فروى بإسناد حسن عن البزار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي الدرداء } وفي رواية عند إن بين أيديكم عقبة كئودا لا ينجو منها إلا كل مخف بإسناد صحيح قالت الطبراني قلت أم الدرداء : مالك لا تطلب كما يطلب فلان وفلان ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { لأبي الدرداء } . الكئود بفتح الكاف بعدها همزة مضمومة هي العقبة الصعبة الشاقة . وفي حديث الدعاء { إن وراءكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون ، فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة ولا يتكأدك عفو عن مذنب } أي لا يصعب عليك ويشق كما في النهاية .
وروى وقال صحيح الإسناد عن الحاكم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي سعيد الخدري } إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب
بإسناد حسن عن والطبراني رضي الله عنه مرفوعا { رافع بن خديج } ورواه إذا أحب الله عز وجل عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه في صحيحه ابن حبان وقال صحيح الإسناد من حديث والحاكم . قتادة
وروى الشيخان وغيرهما عن رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس } رواه الإمام اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء [ ص: 525 ] واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء بإسناد جيد من حديث أحمد إلا أنه قال فيه { عبد الله بن عمرو } . واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء
وأخرج الإمام من طريق أحمد عن ابن لهيعة دراج عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أبي سعيد الخدري موسى قال : أي رب عبدك المؤمن يقتر عليه في الدنيا ، قال فيفتح له باب من الجنة فينظر إليها ، قال له يا موسى هذا ما أعددت له ، قال موسى : أي رب وعزتك وجلالك لو كان أقطع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير بؤسا قط . ثم قال موسى : أي رب عبدك الكافر توسع عليه في الدنيا ، قال فيفتح له باب من النار ، فيقال له يا موسى هذا ما أعددت له ، فقال موسى أي رب وعزتك وجلالك لو كان له الدنيا منذ خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره كأن لم ير خيرا قط } إن
وأخرج الإمام أيضا أحمد ورواتهما ثقات عن والبزار رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { عبد الله بن عمرو بن العاص سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } } . هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ; ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته ايتوهم فحيوهم ، فتقول الملائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم ؟ قال إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء . قال فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب {
وأخرج في صحيحه عنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن حبان } الحديث . تجتمعون يوم القيامة فيقال أين فقراء هذه الأمة ؟ قال فيقال لهم ماذا عملتم ؟ فيقولون ربنا ابتليتنا فصبرنا . ووليت الأموال والسلطان غيرنا [ ص: 526 ] فيقول الله عز وجل صدقتم ، قال فيدخلون الجنة قبل الناس وتبقى شدة الحساب على ذوي الأموال والسلطان
وأخرج الإمام عن أحمد أبي الصديق الناجي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { } . يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بأربعمائة عام حين يقول المؤمن الغني يا ليتني كنت عيلا ، قال قلت يا رسول الله سمهم لنا بأسمائهم ، قال هم الذين إذا كان مكروه بعثوا إليه ، وإذا كان نعيم - وفي نسخة مغنم - بعث إليه سواهم ، وهم الذين يحجبون عن الأبواب
وعن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } رواه يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام الترمذي في صحيحه . وقال وابن حبان الترمذي حديث حسن صحيح . قال الحافظ : رواته محتج بهم في الصحيح . ورواه المنذري بزيادة عن ابن ماجه . ابن عمر
وأخرج الإمام بإسناد جيد قوي عن أحمد رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } الحمض بالحاء المهملة ما ملح وأمر من النبات . التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير كانا في الدنيا ، فأدخل الفقير الجنة وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس ثم أدخل الجنة ، فلقيه الفقير فقال يا أخي ما حبسك ، والله لقد حبست حتى خفت عليك ، فيقول يا أخي إني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ما وصلت إليك حتى سال مني من العرق ماء لو ورده ألف بعير كلها آكلة حمض لصدرت عنه رواء
وفي الصحيحين وغيرهما عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أسامة } الجد بفتح الجيم هو الحظ والغنى . قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين ، وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار . وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء
وعن رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { أبي سعيد الخدري } [ ص: 527 ] رواه اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين . وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة إلى قوله { ابن ماجه المساكين } بتمامه وقال صحيح الإسناد . ورواه والحاكم أبو الشيخ عن والبيهقي سمع عطاء بن أبي رباح يقول أيها الناس لا تحملنكم العسرة على طلب الرزق من غير حله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { أبا سعيد } . اللهم توفني فقيرا ولا توفني غنيا واحشرني في زمرة المساكين فإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة
وروى وقال صحيح الإسناد عن الحاكم رضي الله عنه مرفوعا { أبي هريرة } . أحبوا الفقراء وجالسوهم ، وأحب العرب من قلبك ، وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك
وأخرج الإمام بإسنادين أحدهما محتج به في الصحيح عن أحمد وهو مختلف في صحبته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { محمود بن لبيد آدم : الموت ، والموت خير من الفتنة ، ويكره قلة المال ، وقلة المال أقل للحساب } . . اثنتان يكرههما ابن
وفي الزهد للإمام رضي الله عنه قال : حدثنا أحمد يزيد قال : قال : حدثني أبو الأشهب سعيد بن أيمن مولى كعب بن سور قال : { بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ جاء رجل من الفقراء فجلس إلى جنب رجل من الأغنياء فكأنه قبض من ثيابه عنه ، فتغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أخشيت يا فلان أن يعدو غناك عليه وأن يعدو فقره عليك ؟ قال يا رسول الله وشر الغنى ؟ قال نعم إن غناك يدعوك إلى النار وإن فقره يدعوه إلى الجنة . قال فما ينجيني منه ؟ قال تواسيه ، قال إذن أفعل ، فقال الآخر لا أرب لي فيه . قال فاستغفر وادع لأخيك } .
وفي الصحيحين أن رضي الله عنه قال " أعطينا ما أعطينا من الدنيا ، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام . عبد الرحمن بن عوف
وقد روى واللفظ له البزار ورواته ثقات إلا والطبراني عمار بن سيف ، وقد وثق في حديث طويل ، قال رضي الله عنه : { عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال لقد بطأ بك غناك من بين أصحابي حتى خشيت أن تكون هلكت [ ص: 528 ] وعرقت عرقا شديدا فقال : ما بطأ بك ؟ فقلت يا رسول الله من كثرة مالي ما زلت موقوفا محاسبا أسأل عن مالي من أين اكتسبته وفيما أنفقته ، فبكى عبد الرحمن بن عوف عبد الرحمن وقال يا رسول الله هذه مائة راحلة جاءتني الليلة من تجارة مصر فإني أشهدك أنها على أهل المدينة وأيتامهم لعل الله يخفف عني ذلك اليوم } . ثم أقبل يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم على
قال الحافظ المنذري : وقد ورد من غير ما وجه ومن حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم { رضي الله عنه يدخل الجنة حبوا لكثرة ماله عبد الرحمن بن عوف } ولا يسلم أجودها من مقال . ولا يبلغ شيء منها بانفراد درجة الحسن . أن
ولقد كان ماله رضي الله عنه بالصفة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم { نعم المال الصالح للرجل الصالح } فأنى ينقص درجاته في الآخرة ويقصر به دون غيره من أغنياء هذه الأمة . فإنه لم يرد هذا في حق غيره ، إنما صح سبق فقراء هذه الأمة أغنياءهم على الإطلاق انتهى والله أعلم .