فقال رحمه الله تعالى : [ ص: 444 ] مطلب : في الحث على : فكابد إلى أن تبلغ النفس عذرها وكن في اقتباس العلم طلاع أنجد ( فكابد ) أي قاس في الطلب . يقال كابده مكابدة وكبادا قاساه . الصبر في طلب العلم
والاسم الكابد . أي فاطلب وجد واجتهد وقاس الشدائد ( إلى ) أن تنتهي إلى أقصى الحالات وهي ( أن تبلغ النفس ) في الجد والاجتهاد ( عذرها ) فإن حصلت علما كان هو المقصود . وإلا عذرت في بذل المجهود .
وروى في الكبير ورواته ثقات عن الطبراني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { واثلة بن الأسقع } . من طلب علما فأدركه كتب الله له كفلين من الأجر ، ومن طلب علما فلم يدركه كتب الله له كفلا من الأجر
ومما ينسب للإمام رضي الله عنه : الشافعي
سأطلب علما أو أموت ببلدة
يقل بها هطل الدموع على قبري وليس اكتساب العلم يا نفس فاعلمي
بميراث آباء كرام ولا صهر ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى
ليطلب علما بالتجلد والصبر فإن نال علما عاش في الناس ماجدا
وإن مات قال الناس بالغ في العذر إذا هجع النوام أسبلت عبرتي
وأنشدت بيتا وهو من ألطف الشعر أليس من الخسران أن لياليا
تمر بلا علم وتحسب من عمري
وحسبه أن يصل إلى واحد من الصحابة أو التابعين . قال وفي مثله قال القائل :
إذا مر بي يوم ولم أستفد هدى ولم أكتسب علما فما ذاك من عمري
وفي حديث رضي الله عنه : { علي حتى أوري قبسا لقابس } قال في النهاية : أي أظهر [ ص: 445 ] نورا من الحق لطالبه . والقابس طالب النار وهو فاعل من قبس . ومنه حديث العرباض رضي الله عنه : { } ، أي طالبي العلم . أتيناك زائرين ومقتبسين
وحديث رضي الله عنه : فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أعلمناه إياه ، انتهى . عقبة بن عامر
وفي القرآن العظيم { انظرونا نقتبس من نوركم } فمراد الناظم أن تكون أيها الأخ الباذل جهده في طلب العلم واستفادته ( طلاع ) أي قصاد ( أنجد ) قال في القاموس : ورجل طلاع الثنايا والأنجد كشداد مجرب للأمور ركاب لها يعلوها ويقهرها بمعرفته وتجاربه وجودة رأيه أو الذي يؤم معالي الأمور ، انتهى . والأنجد جمع نجد وهو ما أشرف من الأرض والطريق الواضح المرتفع وما خالف الغور أي تهامة ، وتضم جيمه مذكر ، أعلاه تهامة واليمن ، وأسفله العراق والشام ، وأوله من جهة الحجاز ذات عرق . قاله في القاموس .
وقال في النهاية : والنجد ما ارتفع من الأرض وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق : وفي لغة الإقناع للحجاوي : النجد ما ارتفع من الأرض ، والجمع نجود ، مثل فلس وفلوس ، وباسم الواحد سميت بلاد معروفة من عمل اليمن وهو ما بين جرش إلى سواد الكوفة . قال ابن خطيب الدهشة : وأوله ناحية الحجاز ذات عرق وآخره سواد العراق .
قال في التهذيب : كل ما وراء الخندق الذي خندقه على كسرى سواد العراق فهو نجد إلى أن يميل إلى الحرة ، فإذا ملت إليها فأنت في الحجاز . وفي المطالع : نجد ما بين جرش إلى سواد الكوفة ، وحده مما يلي المغرب ، الحجاز على يسار الكعبة ، ونجد كلها من عمل اليمامة .
وقال الجوهري : ونجد من بلاد العرب وهو خلاف الغور ، والغور هو تهامة كلها ، وكلما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد وهو مذكر ، انتهى .
ومراد الناظم رحمه الله تعالى أي وكن مجربا للأمور وقاهرا لها ومحكما معرفتها بدقة النظر وحسن التجارب وإتقان ما تقبسه من العلوم والمعارف ، كثير الرحلة في تحصيل العلوم ، عالي الهمة في التطلع على دقائقها وإتقان حقائقها .
[ ص: 446 ] وفي صحيح { مسلم } . وقال بعضهم : العلم إذا أعطيته كلك أعطاك بعضه . لا ينال العلم براحة الجسم
وفي صحيح وغيره عن مسلم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } . وأخرج من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة الترمذي وصححه واللفظ له وابن ماجه في صحيحه وابن حبان وقال صحيح الإسناد . والحاكم
عن قال { زر بن حبيش صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه فقال ما جاء بك ؟ قلت أنبط العلم ، قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع } قوله أنبط أي أطلبه وأستخرجه . وعن أتيت قبيصة بن المخارق رضي الله عنه قال { قبيصة ما جاء بك ؟ قلت كبرت سني ورق عظمي فأتيتك لتعلمني ما ينفعني الله به ، قال يا قبيصة ما مررت بحجر ولا شجر ولا مدر إلا استغفر لك . يا قبيصة إذا صليت الصبح فقل ثلاثا سبحان الله العظيم وبحمده تعافى من الحمى والجذام والفلج . يا قبيصة قل اللهم إني أسألك مما عندك ، وأفض علي من فضلك ، وانشر علي من رحمتك ، وأنزل علي من بركاتك } رواه الإمام أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا . وفي إسناده من لم يسم . أحمد
وروى الترمذي وحسنه عن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنس } . من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع
وأخرج أبو داود عن رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { أبي الدرداء } ورواه من غدا يريد العلم يتعلمه لله فتح الله له بابا إلى الجنة ، وفرشت له الملائكة أكنافها ، وصلت عليه ملائكة السموات وحيتان البحور ، وللعالم من الفضل على العابد كالقمر ليلة البدر على أصغر كوكب في السماء ، والعلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظه ، وموت العالم مصيبة لا تجبر ، وثلمة لا تسد ، وهو نجم طمس . موت قبيلة أيسر من موت عالم الترمذي وابن [ ص: 447 ] ماجه في صحيحه وليس عندهم وموت العالم إلى آخره . ورواه وابن حبان أيضا . البيهقي
وروى في الأوسط عن الطبراني رضي الله عنهما مرفوعا { ابن عباس } . اللهم ارحم خلفائي ، قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك ؟ قال الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي ويعلمونها الناس
ومما ينسب للإمام رضي الله عنه قوله : الشافعي
تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
إزالة هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد
فإن قيل في الأسفار ذل ومهنة وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته بدار هوان بين واش وحاسد
وذكر ابن الجوزي في صيد الخاطر أن الإمام رضي الله عنه دار الدنيا مرتين حتى جمع المسند . ولم تزل الرحلة في العلماء مطلوبة ، وهي إلى الأئمة والأخيار منسوبة ، وحسن ذلك شاع وذاع ، وملأ الأسماع ، فلا نطيل بذكره والله الموفق . أحمد