مطلب : في وبيان أنواعها : ولا تكثر الإنكار ترم بتهمة ولا ترفعن السوط عن كل معتد ( ولا تكثر الإنكار ) عليها فإنك تقوي العين عليها فإن فعلت ( ترم ) [ ص: 400 ] زوجتك بسبب كثرة إنكارك عليها ( بتهمة ) في نفسها . الغيرة على النساء
فيقول الفساق : وأهل الفجور لولا أنه يعلم منها المكروه لما أكثر من إنكاره عليها .
والتهمة مأخوذة من الوهم ، يقال اتهمه بكذا اتهاما ، واتهمه كافتعله وأوهمه أدخل عليه التهمة أي ما يتهم عليه فاتهم هو فهو متهم وتهيم كما في القاموس .
وفي الفروع قال : قال ابن عبد البر سليمان ، قلت : والمحفوظ في التواريخ وتراجم الأنبياء قال داود لابنه سليمان عليهما السلام : يا بني لا تكثر الغيرة على أهلك من غير ريبة فترم بالشر من أجلك وإن كانت بريئة .
قلت : وحدثني شيخنا الشيخ مصطفى اللبدي رحمه الله تعالى عن رجل أنه كان كثير الغيرة ، فكان لا يدع زوجته تغيب عن عينه ، فإذا ذهبت إلى الحمام جلس على باب الحمام حتى تخرج فيذهبا جميعا ، فضجرت منه وتبرمت وقالت : هذا أمر يشق علي وأنت فضحتني ، فقال لها لا تطيب نفسي إلا ما دمت على هذه الحالة ، فحملها ذلك على أن زنت .
قال لي شيخنا : نظرت إلى فتى عابر سبيل فقالت له من طاقة إذا أذن الظهر فكن بالباب ، فقال أفعل ، فلما كان قبيل الأذان جلست تعجن وجلس إلى جنبها ، فلما صرخ المؤذن قالت لزوجها فك تكة لباسي فقد زحمني البول ففعل ومسكت التكة بأسنانها ، وكان بيت الخلاء بباب الدار فعمدت إليه ففتحت الباب فوجدت الفتى فمكنته من نفسها ثم مسحت ذلك في منديل كان معها ، وعمدت إلى عجينها ورمت بالمنديل إلى زوجها ، فقال لها : ما هذا ؟ قالت حملني عليه ما أنت عليه من فضيحتي ، وجعلك هذا ديدنا ، ووالله ما هذا من أربي ولكن أنت الذي حملتني عليه ، فإن تركت سيرتك تركت أنا ، وإلا فلا ، فتركا جميعا .
هكذا قال لي رحمه الله . وحكى لي من هذا الباب حكايات عجيبة وذكر أنها بلغته عن ثقات والله أعلم . والمحمود من الغيرة صون المرأة عن اختلاطها بالرجال . وقد ذكر الإمام الحافظ ابن الجوزي في كتابه آداب النساء عن { سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال علي بن أبي طالب عليها السلام [ ص: 401 ] ما خير النساء ؟ قالت أن لا يرين الرجال ولا يرونهن فقال لفاطمة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما علي بضعة مني فاطمة } . أن
قال ابن الجوزي : قلت قد يشكل هذا على من لا يعرفه فيقول : الرجل إذا رأى المرأة خيف عليه أن يفتتن فما بال المرأة ؟ والجواب أن النساء شقائق الرجال فكما أن المرأة تعجب الرجل ، فكذلك الرجل يعجب المرأة ، وتشتهيه كما يشتهيها ، ولهذا تنفر من الشيخ كما ينفر الرجل من العجوز .
{ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ابن أم مكتوم عائشة وحفصة أمرهما بالقيام ، فقالتا : إنه أعمى ، فقال صلى الله عليه وسلم فأنتما عمياوان } . ولما دخل
وفي الصحيحين عن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عقبة بن عامر الأنصار : أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت } . قال إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الترمذي : معنى كراهية الدخول على النساء على نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { } . لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان
والحمو بفتح الحاء المهملة وتخفيف الميم وبإثبات الواو أيضا وبالهمزة أيضا هو أبو الزوج ومن أدلى به كالأخ والعم وابن العم ونحوهم ، وهو المراد هنا . وكذا فسره رضي الله عنه وغيره . وأبو المرأة أيضا ، ومن أدلى به . وقيل : بل هو قريب الزوج فقط وقيل قريب الزوجة فقط . قال الليث بن سعد أبو عبيد في معناه : يعني فليمت ولا يفعلن ذلك . فإذا كان هذا رأيه في أب الزوج وهو محرم ، فكيف بالغريب ، انتهى .
وفي الصحيحين أيضا عن رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ابن عباس } . وفي لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم عنه مرفوعا { الطبراني } . من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينها محرم
[ ص: 402 ] وقال صلى الله عليه وسلم { ، لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها ، وما بطن سعد } وأنشد في الفروع أتعجبون من غيرة
لا يأمنن على النساء أخ أخا
ما في الرجال على النساء أمين
إن الأمين وإن تحفظ جهده لا بد أن بنظرة سيخون
فالغيرة التي يحبها الله ورسوله دارت على هذه الأنواع الثلاثة وما عداها ، فإما من خدع الشيطان ، وإما بلوى من الله كغيرة المرأة على زوجها أن يتزوج عليها والله الموفق .