ثم أخذ الناظم يذكر شيئا من مكارم الأخلاق ، وحسن العشرة بالمعروف والإنفاق ، فقال :
مطلب : : ولا تنكرن بذل اليسير تنكدا وسامح تنل أجرا وحسن التودد ( ولا تنكرن ) بنون التوكيد الخفيفة أنت على زوجتك ( بذل ) الشيء ( اليسير ) من بيتك من إعطاء سائل وطعمة جائع ونحو ذلك ، فلا ينبغي لك أن تنكر ذلك ( تنكدا ) أي لأجل التنكد ، يقال نكد عيشهم كفرح اشتد وعسر ، والبئر قل ماؤها . ونكد زيد حاجة عمرو منعه إياها ، ونكد زيد فلانا منعه ما سأله أو لم يعطه إلا أقله . والنكد بالضم قلة العطاء ويفتح ، يعني لا تفعل ذلك منعا منك وشحا فيك ، وبخلا وحرصا فيما لديك ، فإن الشح مذموم ، والبخيل ملوم . حكم تصدق المرأة من بيت زوجها بغير إذنه
وقد جرت العادة ، وثبت عن معدن السعادة والسيادة ، مسامحة النساء في مثل هذا .
اللهم إلا أن تعلم شح زوجها وبخله فيمتنع عليها البذل . [ ص: 395 ] ولكن الناظم لا يرضى لك أن تتصف بالشح المنافي للفلاح ، فلذا قال ( وسامح ) أي جد وتكرم ، يقال سمح ككرم سماحا وسماحة وسموحة وسمحا جاد وكرم ، كأسمح فهو سمح ويجمع على " سمحاء " .
قال في القاموس : وسمحاء كأنه جمع سميح ومساميح كأنه جمع مسماح ونسوة سماح ليس غير انتهى .
فالسماحة تفيد صاحبها الأجر والراحة ، ولذا قال ( تنل ) فعل مضارع مجزوم في جواب الطلب ( أجرا ) بالمسامحة وبذل الزوجة اليسير من مالك ، فإنما لها أجر مناول ولك الأجر كاملا ( و ) تنل مع الأجر ( حسن التودد ) أيضا ، فقد ربحت تجارتك مرتين الأجر وحسن التودد بينك وبين أهلك .
قال في القاموس : الود والوداد الحب ، ويثلثان كالودادة والمودة ، وتودده اجتلب وده ، وتودد إليه تحبب ، والتودد التحاب .
وفي حديث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عائشة } رواه إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ; فإن لها أجرها بما أنفقت ، ولزوجها أجره بما اكتسب ، وللخازن مثل ذلك ، ولا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا البخاري وغيرهما . وعند بعضهم إذا تصدقت بدل أنفقت . وفي الصحيحين أيضا عن ومسلم رضي الله عنهما قالت { أسماء بنت أبي بكر الصديق أفأتصدق ؟ قال : تصدقي ولا توعي فيوعي الله عليك الزبير } . قلت يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل علي
وفي رواية { فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي ؟ قال : أرضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك الزبير } . أنها جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي
وفي سنن الترمذي وحسنه عن عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عمرو بن شعيب } . إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها [ ص: 396 ] أجر ولزوجها مثل ذلك ، ولا ينقص كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئا ، له بما كسب ولها بما أنفقت
وروى الترمذي أيضا وحسنه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال { } سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته عام حجة الوداع : لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل : يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال ذلك أفضل أموالنا
وروى أبو داود من طريق والنسائي عن عمرو بن شعيب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عبد الله بن عمرو } . لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها
وفي الصحيحين عن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } . وفي رواية لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيتها إلا بإذنه لأبي داود أن رضي الله عنه سئل عن المرأة هل تتصدق من بيت زوجها ؟ قال : لا إلا من قوتها ، والأجر بينهما ، ولا يحل لها أن تتصرف من مال زوجها إلا بإذنه زاد أبا هريرة ابن رزين العبدري في جامعه : فإن أذن لها فالأجر بينهما ، فإن فعلت بغير إذنه فالأجر له ، والإثم عليها .
فإن قلت : ما وجه الجمع بين الأخبار ؟ فالجواب الجواز في الشيء اليسير كما في كلام الناظم وغيره من العلماء ، والمنع في الكثير ، أو الجواز فيمن تعلم الزوجة منه الكرم والسماحة ، والمنع فيمن تعلم شحه وحرصه ، وهذا صريح في كلامهم ، والله أعلم .