( الثانية ) : المعتبر من الإنسان المعنى والصفات ، لا الملابس والذات . وقد روى في الشعب عن البيهقي رضي الله عنه قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة إن الله يحب المتبذل الذي لا يبالي ما لبس }
وروى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس عن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي سعيد الخدري ليس البر في حسن اللباس والزي ولكن البر في السكينة والوقار } .
وروى أبو القاسم الأصبهاني التيمي في الترغيب عن قال : رأى علي علي بن زيد بن جدعان - رحمه الله تعالى - جبة خز فقال لي : إنك حسن الجبة قلت وما تغني عني ، وقد أفسدها علي سعيد بن المسيب أبو عبد الله سالم يعني ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم ، قال لي أصلح قلبك والبس ما شئت .
قلت : وقد أكثر الشعراء من أصحاب الرقاق والبلغاء وأصحاب الحكم والدقائق من هذا المعنى ، فمنه قول ابن الوردي في لاميته :
خذ بنصل السيف واترك غمده واعتبر فضل الفتى دون الحلل لا يضر الفضل إقلال كما
لا يضر الشمس إطباق الطفل
والمعنى : أن أصحاب الفضائل الكاملة لا يضرهم إقلالهم ذات يدهم ولا أخلاق ثيابهم كما لا يضر الفرس العتيق خلاقة جله ، ولا الجمل الكريم رثاثة قتبه .
ومثله قول بعضهم :
وما ضر نصل السيف إخلاق غمده إذا كان عضبا حين يضرب باترا
قد يدرك المجد الفتى وإزاره خلق وجيب قميصه مرقوع
يغايظونا بقمصان لهم جدد كأننا لا نرى في السوق قمصانا
ليس القميص وإن جددت رقعته بجاعل رجلا إلا كما كانا
وقال : من تعرى من لباس التقوى لم يستتر بشيء من لباس الدنيا وقد قيل : لا يسود المرء حتى لا يبالي في أي ثوبيه ظهر . منصور بن عمار
وقال : رأيت أعرابيا فاستنشدته فأنشدني أبياتا وروى أخبارا ، فتعجبت من مقاله وسوء حاله ، فسكت سكتة ثم قال هذه الأبيات : الأصمعي
أأخي إن الحادثا ت تركنني عرك الأديم
لا تنكرن أن قد رأيت أخاك في كرب عديم
إن كن أثوابي بلين فإنهن على كريم
علي ثياب لو تقاس جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثرا
وفيهن نفس لو يقاس ببعضها نفوس الورى كانت أجل وأكبرا
وما ضر نصل السيف إخلاق غمده إذا كان عضبا حيث وجهته برى
لا يعجبنك من يصون ثيابه حذر الغبار وعرضه مبذول
ولربما افتقر الفتى فرأيته دنس الثياب وعرضه مغسول
لئن كان ثوبي دون قيمته فلس فلا فيه نفس دون قيمتها الإنس
فثوبك بدر تحت أنواره الدجى وثوبي ليل تحت أطماره شمس
تعد ذنوبي عند قوم كثيرة ولا ذنب لي إلا العلا والفضائل
وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل
وأي جواد لم يحل لجامه ونضو يمان أغفلته الصياقل
وإن كان في لبس الفتى شرف له فما السيف إلا غمده والحمائل
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان