وإنما يتصور ذلك بمشاهدتك إلى الفاعل ، وأنك تقدم رضاه وما يرضاه على رضاك .
وأيضا فإن الله جل شأنه إذا ابتلى عبده لم يرد هلاكه ، وإنما يريد إما تمحيص ذنوبه ، وإما لينال منزلة لم يبلغها بعمله ، فمنعه عطاء ، وابتلاؤه رضا .
والمحنة منه منحة .
فسبحانه وتعالى .
قال تعالى { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } وفي كتاب الشكر للإمام عن أبي بكر بن أبي الدنيا منصور بن تميم بن سلمة قال : حدثت أن الرجل إذا ذكر اسم الله على طعامه وحمده على آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام .
وفيه عن عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { عمرو بن شعيب } . خصلتان من كانتا فيه كتبه الله صابرا شاكرا ، ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا : من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به ، ومن نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله عليه كتبه الله صابرا شاكرا ومن نظر في دينه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا
وأخرج بسند حسن عن الطبراني سنجرة بمهملة ثم بمعجمة فموحدة وزن مسلمة مرفوعا { } . من أعطي فشكر ، وابتلي فصبر ، وظلم فاستغفر ، وظلم فغفر ، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } إسناده صحيح . لا يشكر الله من لا يشكر الناس
قال في النهاية معناه أن الله - تعالى - لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ، ويكفر أمرهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر .
وقيل معناه من كان عادته وطبعه كفران نعمة الناس وترك شكره لهم كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له .
وقيل : معناه أن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر الله - عز وجل ، وإن [ ص: 282 ] شكره ، كما تقول : لا يحبني من لا يحبك ، أي أن محبتك مقرونة بمحبتي ، فمن أحبني يحبك .
ومن لا يحبك فكأنه لم يحبني .
وهذه الأقوال مبنية على رفع اسم الله عز وجل ونصبه . انتهى .
وعند الإمام في لفظ آخر إن أشكر الناس لله - تعالى - أشكرهم للناس . أحمد
وأخرج الإمام وضعفه أحمد ابن الجوزي وقال ابن مفلح في الآداب الكبرى : هو حديث حسن عن رضي الله عنه مرفوعا { النعمان } . من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل
والتحدث بنعمة الله عز وجل شكر وتركها كفر .
والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب " .
وقد قيل رحمه الله : المجوسي يوليني خيرا فأشكره ؟ قال نعم . لسعيد بن جبير
وأنشد بعضهم :
إنني أثني بما أوليتني لم يضع حسن بلاء من شكر
إنني والله لا أكفركم أبدا ما صاح عصفور الشجر
فلو كان يستغني عن الشكر ما جد لعزة ملك أو علو مكان
لما ندب الله العباد لشكره فقال اشكروني أيها الثقلان
والشاكر يزداد رزقا وإرغاما للحاسدين .
وهذا أنسب من جهة المعنى .
وهو منتزع من قوله تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } .
ومن كلام بعضهم : الشكر قيد للنعم الموجودة ، وصيد للنعم المفقودة .
ومن كلام آخر : إن حقا على من لعب بنعم الله - تعالى - أن يسلبه إياها .
وقال آخر : كفران النعم بوار .
وقال آخر : استدع شاردها بالشكر ، واستدم راهنها بلزوم حسن الجوار .
[ ص: 283 ] ومن كلامهم : لا زوال للنعمة إذا شكرت ، ولا بقاء لها إذا كفرت .
حصن نعمتك من الزوال ، بحسن الشكر والنوال .
وقال الإمام الحافظ ابن الجوزي في تبصرته : عباد الله قد توفرت النعم عليكم فاشكروا ، وقد أعطيتم ما لم تسألوا فاذكروا .
واعرفوا المنعم واعلموا أن النعم منه ، وتعبدوا بشكره ، وقصوا أجنحة النعم بمقراض الشكر .
فقل أن تنفر فتعود .
واحذروا لباس البطر في النعم ، واطلبوا بالشكر المزيد .
وهذا باب واسع ، وفيما ذكرنا كفاية .