مطلب : في ذكر بعض مثالب الكبر والعجب .
واستمع الآن إلى عافانا الله وإياك والمسلمين منهما ومن كل فعل يوجب غضبا وإعراضا ، وعذابا وانقباضا ، إنه جواد كريم ، رءوف رحيم . بعض مثالب الكبر والعجب
أخرج البخاري وغيرهما عن ومسلم حارثة بن وهب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { } . ألا أخبركم بأهل النار : كل عتل جواظ مستكبر
قال الحافظ المنذري : العتل بضم العين المهملة والتاء المثناة فوق وتشديد اللام هو الغليظ الجافي .
والجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة هو الجموع المنوع ، وقيل الضخم المختال في مشيته ، وقيل : القصير البطين .
[ ص: 219 ] وأخرج واللفظ له ابن ماجه في صحيحه من رواية وابن حبان عن عطاء بن السائب رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } . يقول الله جل وعلا : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار
عن ومسلم أبي سعيد رضي الله عنهما مرفوعا { وأبي هريرة } . ورواه يقول الله عز وجل : العز إزاره ، والكبرياء رداؤه ، فمن ينازعني عذبته من الطريق التي أخرجها البرقاني بلفظ { مسلم } . ورواه يقول الله عز وجل : العز إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني في شيء منهما عذبته أبو داود وابن ماجه في صحيحه من حديث وابن حبان وحده ، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } . قال الله تعالى : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار
وأخرج واللفظ له الطبراني في صحيحه عن وابن حبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { فضالة بن عبيد } . ثلاثة لا يسأل عنهم : رجل نازع الله رداءه فإن رداءه الكبر ، وإزاره العز ، ورجل في شك من أمر الله ، والقنوط من رحمة الله
وعن رضي الله عنه قال { حذيفة } رواه الإمام كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة قال : ألا أخبركم بشر عباد الله ؟ الفظ المستكبر . ألا أخبركم بخير عباد الله ؟ الضعيف المستضعف ذو الطمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبره ، ورواته رواة الصحيح ، إلا أحمد محمد بن جابر .
وأخرج عن مسلم رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } . ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر
العائل بالمد هو الفقير .
وأخرج الإمام عن أحمد قال : التقى أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، عبد الله بن عمر رضي الله عنهم على وعبد الله بن عمرو بن العاص المروة فتحدثا ، ثم مضى وبقي عبد الله بن عمرو يبكي ، [ ص: 220 ] فقال له رجل : ما يبكيك يا عبد الله بن عمر ؟ قال هذا يعني أبا عبد الرحمن زعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { عبد الله بن عمرو } ورواة هذا الحديث رواة الصحيح . وفي رواية من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر كبه الله لوجهه في النار صحيحة أيضا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { للإمام أحمد } . لا يدخل الجنة إنسان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر
وروى بإسناد حسن { الطبراني رضي الله عنه أنه مر في السوق ، وعليه حزمة من حطب ، فقيل له : ما يحملك على هذا ، وقد أغناك الله عن هذا ؟ قال : أردت أن أدفع الكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال خردلة من كبر عبد الله بن سلام } ورواه عن الأصبهاني إلا أنه قال { } . مثقال ذرة من كبر
وأخرج الإمام أحمد والطبراني في صحيحه من حديث وابن حبان أبي ثعلبة والترمذي وقال : حسن غريب عن رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { جابر } قال الحافظ إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال المتكبرون : الثرثار بثاءين مثلثتين مفتوحتين وتكرير الراء هو الكثير الكلام تكلفا . المنذري
والمتشدق هو المتكلم بملء فيه تفاصحا وتعاظما واستعلاء . وهو معنى المتفيهق أيضا .
وتقدم في الكلام على الخلق الحسن .
وأخرج النسائي والترمذي وحسنه عن عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عمرو بن شعيب } . يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان ، يساقون إلى سجن في جهنم يقال له : بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال
بولس بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح اللام بعدها سين مهملة .
والخبال بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة عصارة أهل النار كما جاء مفسرا في مرفوع وغيره . ابن حبان
[ ص: 221 ] وفي الزهد بسنده عن للإمام أحمد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } . يجاء بالجبارين والمتكبرين رجال في صور الذر يطؤهم الناس من هوانهم على الله عز وجل حتى يقضى بين الناس قال : ثم يذهب بهم إلى نار الأنيار قيل : يا رسول الله ، وما نار الأنيار ؟ قال عصارة أهل النار
وأخرج مسلم والترمذي عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عبد الله بن مسعود } . لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ، قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس
بطر الحق بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة جميعا هو دفعه ورده .
وغمط الناس بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة هو احتقارهم وازدراؤهم وكذلك غمصهم بالصاد المهملة .
وروى في الكبير واللفظ له ورواته محتج بهم في الصحيح الطبراني بنحوه ، وقال : صحيح على شرط والحاكم عن مسلم رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { ابن عمر } . من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله - تبارك وتعالى - وهو عليه غضبان
وروى الترمذي ، وقال غريب من حديث والطبراني رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { أسماء بنت عميس } . بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى بئس العبد عبد سها ولها ونسي المقابر والبلى بئس العبد عبد عتا وطغى ونسي المبتدأ والمنتهى بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين بئس العبد عبد يختل الدين بالشهوات بئس العبد عبد طمع يقوده بئس العبد عبد هوى يضله بئس العبد عبد رغب يذله
وروى بإسناد جيد عن البزار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنس } . لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه العجب
وقالت رضي الله عنها " لبست مرة درعا جديدا فجعلت أنظر إليه ، وأعجب به ، فقال عائشة أبو بكر رضي الله عنه : أما علمت أن العبد إذا دخله [ ص: 222 ] العجب بزينة الدنيا مقته ربه حتى يفارق تلك الزينة ؟ قالت فنزعته فتصدقت به . فقال أبو بكر رضي الله عنه عسى ذلك أن يكفر عنك
مطلب : في بيان ماهية العجب ، وبيان الفرق بينه وبين الكبر .
تنبيهات :
( الأول ) : قال في القاموس : العجب بالضم : الزهو والكبر .
وقال في تفسير الكبر : هو معظم الشيء والشرف ويضم ، والإثم الكبير ، كالكبرة ، بالكسر الرفعة في الشرف والعظمة ، والتجبر كالكبرياء ، وقد تكبر واستكبر وتكابر ، وكصرد جمع الكبرى . انتهى .
فقد فسر العجب بالكبر فظاهره أنهما شيء واحد ، وكذا فسره كثير من العلماء .
والتحقيق أن بينهما فرقا دقيقا ذكره المحققون ، منهم الإمام الحافظ ابن الجوزي في تبصرته فقال : أعلم أن الكبر خلق باطن يصدر عنه أعمال ، وذلك الخلق هو رؤية النفس فوق المتكبر عليه ، ويفارقه العجب من جهة أن الكبر لا يتصور إلا أن يكون هناك من يتكبر عليه ، والعجب يتصور ، ولو لم يكن أحد غير المعجب .
والمتكبر يرى نفسه أعلى من الغير فتحصل له هزة وفرح ، وركون له إلى ما اعتقده ، وذلك نفخ الشيطان كما في حديث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن مسعود } . . أنه كان يتعوذ من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه قال : همزه الموتة ، ونفثه الشعر ، ونفخه الكبرياء