مطلب : في كراهية . لباس ما فيه شهرة عند الناس
ويكره لبس فيه شهرة لابس وواصف جلد لا لزوج وسيد ( ويكره ) تنزيها على الأصح ، وقيل يحرم ( لبس ) أي لبس ملبوس ( فيه ) أي في ذلك الملبوس ( شهرة لابس ) له بمخالفة زي بلده ونحو [ ص: 162 ] ذلك ، فالمعتمد من المذهب كراهية لباس ما فيه شهرة عند الناس ، لما في كتاب التواضع لابن أبي الدنيا وكتاب عن القاضي أبي يعلى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } . أنه نهى عن الشهرتين ، فقيل يا رسول الله وما الشهرتان ؟ قال : رقة الثياب وغلظها ، ولينها وخشونتها ، وطولها وقصرها ، ولكن سدادا بين ذلك واقتصادا
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود عن وابن ماجه رضي الله عنهما مرفوعا { ابن عمر } . قال العلامة من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ابن مفلح في الآداب : حديث حسن قلت : ورواه رزين في جامعه بلفظ { } ، قال من لبس ثوب شهرة ألبسه الله إياه يوم القيامة ، ثم ألهب فيه النار ، ومن تشبه بقوم فهو منهم الحافظ المنذري : لم أره في شيء من الأصول التي جمعها ، وإنما رواه بإسناد حسن ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن ماجه } : من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ، ثم ألهب فيه نارا
وروي أيضا عن عثمان بن جهم عن عن زر بن حبيش رضي الله عنه مرفوعا { أبي ذر } ; ولأن لباس الشهرة ربما يزري بصاحبه وينقص مروءته . من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه حتى يضعه متى وضعه
وفي الغنية لسيدنا الشيخ قدس الله روحه : من اللباس المنزه عنه كل لبسة يكون بها مشتهرا بين الناس كالخروج عن عادة بلده وعشيرته ، فينبغي أن يلبس ما يلبسون لئلا يشار إليه بالأصابع ، ويكون ذلك سببا إلى حملهم على غيبته فيشركهم في إثم الغيبة له انتهى . عبد القادر
قال في الآداب الكبرى : ويدخل في الشهرة خلاف المعتاد من كما يفعله بعض أهل الجفاء والسخافة والانخلاع . لبس شيئا مقلوبا أو محولا كجبة وقباء
وفي الرعاية الكبرى : يكره في غير حرب إسبال بعض لباسه فخرا وخيلاء ، وبطرا وشهرة وخلاف زي بلده بلا عذر . وقيل يحرم ذلك ، وهو أظهر . انتهى . [ ص: 163 ] والقول بتحريم ذلك خيلاء ظاهر كلام الإمام رضي الله عنه ، وهو المذهب قطع به غير واحد ، وقطع به في الإقناع ، والمنتهى وغيرهما ، وعبارة الإقناع : ويحرم ، وهو كبيرة أحمد ، ولو عمامة خيلاء في غير حرب ، فإن أسبل ثوبه لحاجة كستر ساق قبيح من غير خيلاء أبيح ، ما لم يرد التدليس على النساء ، ومثله قصيرة اتخذت رجلين من خشب فلم تعرف انتهى . إسبال شيء من ثيابه
ونص الإمام رضي الله عنه على أنه لا يحرم ثوب الشهرة ، فإنه رأى رجلا لابسا بردا مخططا بياضا وسوادا ، فقال : ضع هذا ، والبس لباس أهل بلدك ، وقال : ليس هو بحرام ، ولو كنت أحمد بمكة ، أو المدينة لم أعب عليك . قال الناظم رحمه الله : لأنه لباسهم هناك انتهى .
وفي الفروع : وتكره شهرة وخلاف زي بلده ، وقيل يحرم ونصه لا . قال شيخنا ، يعني به شيخ الإسلام : تحرم شهرة ، وهو ما قصد به الارتفاع وإظهار التواضع كما كان السلف يكرهون الشهرتين من اللباس المرتفع ، والمنخفض ; ولهذا في الخبر { } فعاقبه بنقيض قصده . قال : وظاهر كلام غيره يكره ، وليس بمراد إن شاء الله ، فإن هذا من الرياء انتهى . من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة
وقال : قال ابن عبد البر رضي الله عنه : من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه ، وإن كان وليا . وتقدم من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا معناه ، وقال أبي ذر أيضا : كان يقال : كل من الطعام ما اشتهيت ، والبس من الثياب ما اشتهى الناس . وعقد ذلك بعض الشعراء في قوله : ابن عبد البر
إن العيون رمتك مذ فاجأتها وعليك من شهر اللباس لباس أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت
واجعل لباسك ما اشتهاه الناس
وكان الحسن يقول : إن قوما جعلوا خشوعهم في لباسهم ، وكبرهم في صدورهم وشهروا أنفسهم بلباس الصوف ، حتى إن أحدهم بما يلبس من الصوف أعظم كبرا من صاحب المطرف بمطرفه .
ومن هذا قول بعضهم - وقد أحسن - [ ص: 164 ]
تصوف فازدهى بالصوف جهلا وبعض الناس يلبسه مجانه
يريد مهانة ويريد كبرا وليس الكبر من شأن المهانه
تصنع كي يقال له أمين ما يغني التصنع للأمانه
ولم يرد الإله بها ولكن أراد بها الطريق إلى الخيانه
وروى عن بقية الأوزاعي أنه قال : بلغني أن في السفر سنة وفي الحضر بدعة لباس الصوف