مطلب : في وجوب ضيافة المسلم المسافر النازل به في القرى دون الأمصار .
الثاني عشر : واجبة على المسلم النازل به في القرى لا الأمصار مجانا يوما وليلة ، وذلك قدر كفايته مع عدم . وفي الواضح . ولفرسه تبن لا شعير ، ولا تجب لذمي على مسلم إذا اجتاز به ، فإن أبى المسلم من ضيافة المسلم فللضيف طلبه بالضيافة عند حاكم ، فإن تعذر الحاكم جاز للضيف الأخذ من مال المضيف بقدر ضيافته من غير إذنه ، هذا المذهب بلا ريب . [ ص: 159 ] ضيافة المسلم المسافر المجتاز ، والمراد يومان مع اليوم الأول كما نصوا عليه ، وما زاد عن الثلاثة أيام فصدقة . وتسن الضيافة ثلاثة أيام
ودليل ما قلنا قوله صلى الله عليه وسلم { } رواه من كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر فليكرم ضيفه البخاري من حديث ومسلم . وفي أبي هريرة من حديث البخاري رضي الله عنهما { عبد الله بن عمرو } ، وكذا رواه ، وإن لزورك عليك حقا وغيره واللفظ مسلم . قوله صلى الله عليه وسلم { للبخاري } أي لزوارك وأضيافك . يقال للزائر زور بفتح الزاي ، سواء فيه الواحد ، والجمع . ، وإن لزورك عليك حقا
وفي موطأ وصحيح مالك البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { } قال من كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، جائزته يوم وليلة ، والضيافة ثلاثة أيام ، فما كان بعد ذلك فهو صدقة . ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه : معناه لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد ثلاثة أيام من غير استدعاء منه حتى يضيق صدره فيبطل أجره . الخطابي
وأخرج الإمام أحمد وغيرهما عن ، والبزار رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { أبي هريرة } وأخرج الإمام للضيف على من نزل به من الحق ثلاث ، فما زاد فهو صدقة . وعلى الضيف أن يرتحل لا يؤثم أهل المنزل أيضا ورواته ثقات أحمد ، وقال صحيح الإسناد ، والحاكم
عن أيضا رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه وأبو داود عن وابن ماجه رضي الله عنه مرفوعا { أبي كريمة المقدام بن معد يكرب } . ليلة الضيف حق على كل مسلم . فمن أصبح بفنائه فهو عليه دين إن شاء قضى ، وإن شاء ترك
وأخرج الإمام بسند رجاله رجال الصحيح خلا أحمد عن ابن لهيعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { عقبة بن عامر } . لا خير [ ص: 160 ] فيمن لا يضيف
إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة ، والآثار الصحيحة الناطقة بوجوب الضيافة .
قلت : ولا أعلم في زوايا الأرض وجهاتها أشد إكراما للضيف وأكبر اهتماما بشأنه واعتناء بالضيافة ما خلاالأعراب من بلادنا وما حازاها ، وذلك من حدود مصر إلى صفد ، وكذا بلاد حوران وعجلون ، فإنك تلقى في كل بلدة بيتا مختصا بالضيفان . وأهل تلك البلدة أبدا مجتمعون في ذلك المنزل معتدون لمن ينزل بهم ، فإذا نزل بهم الضيف أحضروا له نزله في الحال ، ثم يأخذون بالاهتمام بالاحتفال له ويكرمونه ويتكلفون له ما لا يتكلفون لأنفسهم .
ثم يهيئون له بعد أكله وشربه المنام بالغطاء ، ويعلفون دابته إن كانت من خالص الشعير ، هذا لمن يعرفونه ولمن لا يعرفونه ، فهذا دأبهم أبدا . أغدق الله تعالى عليهم النعمة . وصب عليهم الرحمة ، فإنهم على ميراث أبيهم الخليل إبراهيم عليه الصلاة وأتم التسليم . وأشد الناس من هذه البلاد اعتناء بذلك جماعة الحنابلة أتباع الإمام رضوان الله عليه ، فإنهم أشد خدمة للضيف وأكبر اهتماما وأعظم احتراما ، حتى إنهم يخصون الضيف بالطيبات ويهيئونها له . أحمد
وفي أكثر المحال لا يأكل أكثر أولاد الكرماء إلا مع الأضياف . وأعرف من لا يهنأ له الأكل وحده دائما أبدا . فالله سبحانه يمن عليهم بجزيل الرزق وكثرته ، ويزيدهم من رحمته آمين . .