مطلب : في أن سبب بقاء الآدمي القوت .
ولكن انظر إلى أن الله سبحانه وتعالى جعل سبب بقاء الآدمي القوت فمن النعمة : المتناول ، والمتبادل ، فأما المتناول فالحب مثلا ، فلو أنك تناولت الموجود فني ولكنه جعله ناشئا بالزرع ، فإذا بذره الحراث افتقروا إلى الميرة وتنقية الأرض من الحشيش وجعل في الزرع قوة يجتذب بها الغذاء إلى نفسه من جهة أصله وعروقه التي في الأرض ، ثم يجتذب ذلك في العروق الدقيقة التي تظهر غليظة الأصول في الورقة ، ثم يستدق إلى عروق شعرية تنبسط في جميع الورقة ، وكما أنك تغتذي بطعام مخصوص إذ الخشب لا يغذيك ، فكذلك النبات يفتقر إلى الماء ، والهواء والتراب ، والحرارة .
فانظر كيف سخر له الغيوم وبعث الرياح في وقت الحاجة وسخر حرارة الشمس ، فلما افتقرت الأغذية إلى رطوبة خلق القمر فهو ينضج الفواكه ويصبغها فإذا تكامل البذر افتقر إلى الحصاد ، والفرك والتنقية والطحن ، والعجن ، والخبز ، ولو تأملت ما يفتقر إليه كل شيء من ذلك لطال ; لأنك إذا نظرت في آلات الحراث رأيتها محتاجة إلى نجار وحداد وغير ذلك ، فما يستدير رغيف حتى يعمل فيه عالم كثير من الملك الذي يسوق السحاب إلى أن تأكله .