( العاشرة ) : يستحب . وحكى استماع القراءة للآية الشريفة الإجماع على عدم وجوب الاستماع للقراءة في غير الصلاة والخطبة . وقد تكلم ابن المنذر شيخ الإسلام رضي الله عنه على الخشوع وفضله ، وذم قسوة القلب والغفلة ، فقال إن قيل فخشوع القلب لما نزل من الحق واجب ، قيل نعم لكن الناس فيه على قسمين مقتصد وسابق ، والسابقون يختصون بالمستحبات ، والمقتصدون الأبرار هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة ، ومن لم يكن من هؤلاء ولا هؤلاء فهو ظالم لنفسه .
والمروي عنه عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة رضي الله عنهم عن استماعه إنما هو فيض الدموع ، واقشعرار الجلود ، ولين القلوب ، كما قال الله تعالى { الله نزل أحسن الحديث كتابا } الآية . { عليه صلى الله عليه وسلم النساء فلما بلغ إلى قوله { ابن مسعود وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } قال حسبك ، فالتفت إليه وإذا عيناه تذرفان } . متفق عليه . وقرأ
وأما الصعق الغشي ونحو ذلك فحدث في التابعين لقوة الوارد وضعف المورود عليه . والصحابة رضي الله عنهم لقوتهم وكمالهم لم يحدث فيهم .
قال في الآداب الكبرى : فأقدم من علمت هذا عنه الإمام الرباني من أعيان التابعين الكبار رحمه الله سمع الربيع بن خثيم رضي الله عنه يقرأ { ابن مسعود إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا } فصعق ، وكان قبل الظهر ، فلم يفق إلى الليل ، وكذا الإمام القاضي التابعي المتوسط رحمه الله تعالى قرأ في الصلاة فلما بلغ { زرارة بن أوفى فإذا نقر في الناقور } شهق فمات ، وكان هذا الحال يحصل كثيرا للإمام علما وعملا الشيخ الإمام شيخ سيدنا الإمام أحمد . وكان الإمام يحيى بن سعيد القطان يقول لو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه دفعه أحمد . وحدث ذلك لغير هؤلاء ، فمنهم الصادق في حاله ومنهم غير ذلك . ولعمري أن الصادق منهم عظيم القدر ; لأنه يدل على [ ص: 406 ] حضور قلب حي ، وعلم معنى المسموع وقدره ، واستشعار معنى المطلوب وفخامة أمره ، لكن الحال الأول أكمل ، والمتصف به أرقى وأفضل ، فإنه يحصل لصاحبه ما يحصل لهؤلاء وأعظم ، مع ثبات قوة جنانه ورسوخ بنيانه . يحيى
نعم كثر لا سيما في هذه الأزمان التزوير والتلبيس ، وأكثر من ترى ممن يدعي ذلك في عصرنا إذا حققت في الإمعان عن حاله تلفيه من حزب أبي مرة إبليس ، مع الدعوى العريضة ، والقلوب الميتة أو المريضة ، والجهل بالأوامر ، وعدم معرفة الناهي الآمر ، مع الرياء والسمعة ، والجهل والبدعة ، والتهافت على حطام الدنيا وقاذوراتها ولا تهافت الذباب ، والحرص على العكوف على لذاتها والاختلاس لها ولا اختلاس الذئاب ، وإطراق الرءوس عند سماع رقى الشيطان ، وغفلة القلب عند حضور مجالس الذكر والقرآن . فالله يعاملنا بالصفح والغفران ، ويثبتنا على الإسلام والإيمان ، إنه ولي الإحسان .
وقال في الآداب الكبرى : روى أن النسائي رضي الله عنه لما حدث بحديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار زفر زفرة وخر مغشيا عليه ثم ثانية ثم ثالثة ثم حدث به . والحديث في صحيح أبا هريرة وغيره بدون هذه الزيادة ، فإن صح فهو أول من علمت حدث له ذلك . مسلم
وذكر الحافظ ابن الأحصر فيمن روى عن الإمام في ترجمة أحمد إبراهيم بن عبد الله القلانسي قال قيل للإمام الصوفية يجلسون في المساجد بلا علم على سبيل التوكل ، قال العلم أجلسهم ، فقيل ليس مرادهم من الدنيا إلا كسرة خبز وخرقة ، قال لا أعلم على وجه الأرض أقواما أفضل منهم ، قيل إنهم يسمعون أحمد بن حنبل كما كان يحصل ويتواجدون عند القرآن فيحصل لبعضهم ما يحصل من الغشي والموت وعذره الإمام ليحيى بن سعيد القطان رضي الله عنهم ، فلا مخالفة والله أعلم . انتهى . أحمد
فإن قلت أليس قد ذكر أبو طاهر المقدسي من حديث وصاحب العوارف { أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أنشد بحضرته رجل :
قد لسعت حية الهوى قلبي فلا طبيب لها ولا راقي إلا الحبيب الذي شغفت به
فإنه علتي وترياقي
قال صاحب تسهيل السبيل :
ما قيل أبو محذورة قد أنشدا بين يدي نبينا مهدي الهدى
قد لسعت يا قوم حية الهوى كبدي فلا راق لها ولا دوا
حتى تواجد النبي ذو العلا وسقطت بردته بين الملا
فقسمت قالوا على الأصحاب ورسمت للرقع في الثياب
فكل هذا كذب لا أصل له فقاتل الله الذي قد أصله
أبداه للجهال من لا يرعوي وإن روي يوما فبالوضع روي
فإن تكن مقلدا فقلد أهل الحديث من الحديث تهتدي
فكم وكم لجاهل الصوفية من بدع تشبه ذي القضية
يروونها لجاهل عن جاهل بصيغة الجزم مع التغافل
معتقدين أنهم أئمة هداة هدي لهوادي الأمة
لا سيما أرباب ذي الزوايا فما مزاياهم سوى الرزايا