[ ص: 343 ] مطلب : في كراهة : وأن يجلس الإنسان عند محدث بسر وقيل احظر وإن يأذن اقعد ( و ) يكره ( أن يجلس الإنسان ) أي جلوسه ، والمراد به الواحد من الإنسان الذي هو نوع العالم ، قال الجلوس والإصغاء إلى من يتحدث سرا بغير إذنه الجوهري تقدير الإنسان فعلان وإنما زيد في تصغيره ياء كما زيد في تصغير رجل واو فقيل رويجل وقال قوم أصله إنسيان فحذفت الياء استخفافا لكثرة ما يجري على الألسنة فإذا صغروه ردوها ، واستدلوا عليه بقول رضي الله عنهما إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسي والأناس لغة في الناس وهو الأصل فخفف . قال تعالى { ابن عباس لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } وهو اعتداله وتسوية أعضائه لأنه خلق كل شيء منكبا على وجهه ، وخلقه سويا أو له لسان زلق ، وأصابع يقبض بها ; مزينا بالعقل مؤدبا بالأمر ، مهذبا بالتمييز ، يتناول مأكوله ومشروبه بيده قال أبو بكر بن العربي : ليس لله خلق أحسن من خلق الإنسان ، فإن الله خلقه حيا عالما قادرا متكلما سميعا بصيرا مدبرا حكيما .
ويروى أن موسى بن عيسى الهاشمي كان يحب زوجته حبا شديدا ; فقال لها يوما ، فاحتجبت عنه وقالت طلقت ، وبات بليلة عظيمة ، فلما أصبح أتى أنت طالق ثلاثا إن لم تكوني أحسن من القمر المنصور فاستحضر الفقهاء وسألهم فأجاب كلهم بالطلاق إلا واحدا فقال لا تطلق لقوله تعالى { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } فقال المنصور : الأمر كما قال ثم أرسل إلى زوجته بذلك . ( عند محدث ) لغيره ( بحديث ) ( سر ) لم يدخلاه أو يدخلوه إن كانوا أكثر من اثنين في حديثهما أو حديثهم . قال في الرعاية : وأن لا يدخل أحد في سر قوم لم يدخلوه فيه ، والجلوس والإصغاء إلى من يتحدث سرا بدون إذنه ( وقيل احظر ) أي امنع منع تحريم لا كراهة ، لقوله عليه الصلاة والسلام من حديث رضي الله عنهما { ابن عباس } رواه من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك ، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيه الروح وليس [ ص: 344 ] بنافخ وغيره . البخاري
والآنك بمد الهمزة وضم النون هو الرصاص المذاب .
وروى في المسند عن الإمام أحمد سعيد المقبري قال رأيت يناجي رجلا فدخل رجل بينهما فضرب صدره وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عمر } . إذا تناجى اثنان فلا يدخل بينهما الثالث إلا بإذنهما
وبالكراهة جزم صاحب المجرد والفصول . وعبارة الآداب الكبرى : ولا يجوز الاستماع إلى كلام قوم يتشاورون ويجب حفظ سر من يلتفت في حديثه حذرا من إشاعته لأنه كالمستودع لحديثه . انتهى .
وتقدم الكلام على إفشاء السر وكتمانه فظاهر عبارته الحرمة وهو ظاهر ، والله أعلم .
والمستمع لحديث من يتناجون أحد وقد جمعهم بعضهم في قوله : الثمانية المستحقين للصفع
مطلب : في النظم الجامع لمن يستحقون الصفع : قد خص بالصفع في الدنيا ثمانية
لا لوم في واحد منهم إذا صفعا المستخف بسلطان له خطر
وداخل في حديث اثنين قد جمعا وآمر غيره في غير منزله
وجالس مجلسا عن قدره ارتفعا ومتحف بحديث غير حافظه
وداخل بيت تطفيل بغير دعا وقارئ العلم مع من لا خلاق له
وطالب النصر من أعدائه طمعا ( وأن يأذن ) المحدث لغيره أو كل منهما أو منهم ( اقعد ) أمر إباحة من القعود وحرك بالكسر للقافية لأن الحق له أو لهم ، ولمفهوم حديث { } وحديث لا يدخل بينهما الثالث إلا بإذنهما { البخاري } نعم إن علم أو ظن أنه إنما أذن له حياء لم يقعد عملا بقرائن الأحوال ، وتقدم نظيره ، والله أعلم . ومن استمع حديث قوم وهم له كارهون