ولما ذكر القيام بعد الاستئذان وهما من متعلقات السلام ، ذكر المصافحة ; لأنها من متعلقاته أيضا فقال :
مطلب : في المصافحة : وصافح لمن تلقاه من كل مسلم تناثر خطاياكم كما في المسند ( وصافح ) أيها الأخ الحريص على اقتفاء المأثور ، وامتثال الوارد المسطور ، عن النبي الأواب ، المبعوث بالسنة والكتاب .
والمصافحة مفاعلة مأخوذة من إلصاق صفح الكف بالكف ، وإقبال الوجه على الوجه . يقال صافحته أفضيت بيدي إلى يده . وفي القاموس : المصافحة الأخذ باليد كالتصافح ( لمن ) أي رجلا مسلما وكذا صبيا حيث وثقت من نفسك وأمنت من الفتنة به لقصد تعليمه حسن الخلق ، وكذا عجوز إلا الشابة الأجنبية فتحرم مصافحتها للرجل كما في الفصول والرعاية ، وجزم به في الإقناع كغيره ; لأن المصافحة من النظر . وأطلق في رواية ابن منصور كراهة . مصافحة النساء
وقال محمد بن عبد الله بن مهران قال : قلت فيصافحها بثوبه ؟ قال : لا . والتحريم اختيار الشيخ . وعلل بأن الملامسة أبلغ من النظر .
( تلقاه من كل مسلم ) ما عدا ما ذكرنا من الشابة الأجنبية ومن يخاف به فتنة . وأفهم أنه لا ، وهو كذلك ، فقد سئل الإمام يصافح غير المسلم رضي الله عنه عن مصافحة أحمد أهل الذمة فقال : لا يعجبني ، وشمل إطلاقه . مصافحة الرجل الرجل والمرأة المرأة
وكذا الأمرد الأمرد بالشرط المذكور ، وهو [ ص: 326 ] كذلك . فإن تفعل من مصافحة من تلقاه ( تناثر ) بالبناء للمفعول أو للفاعل بحذف إحدى التاءين تخفيفا والأصل تتناثر وهو مجزوم في جواب الأمر .
والتناثر من النثر يقال نثر الشيء ينثره ونثره نثرا ونثارا رماه متفرقا كنثره فتناثر والمعنى تتساقط ( خطاياكم ) جمع خطيئة . وهي الذنب أو ما يتعمد منه كالخطء بالكسر والخطأ ما لم يتعمد ، والمراد هنا : مطلق الذنوب العمد وغيرها ، وأراد خطايا المتصافحين على لغة من يرى الجمع ما زاد على الواحد كما في قوله تعالى ( فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) يعني أخوين فصاعدا ( كما في ) الحديث ( المسند ) مخففا وشدده ضرورة للوزن .
وفي ذلك عدة أخبار ، عن النبي المختار صلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار . منها ما رواه أبو داود والترمذي وحسنه عن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { البراء } . ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا
وفي رواية لأبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . وأخرج الإمام إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله - تعالى - واستغفراه غفر لهما واللفظ له أحمد والبزار وأبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلا كان حقا على الله عز وجل أن يحضر دعاءهما ولا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما
وقال رضي الله عنه : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا . وأخرج أنس في الأوسط بإسناد جيد عن الطبراني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { حذيفة بن اليمان } وهذا الخبر الذي أشار إليه إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر الناظم رحمه الله .
وروى عن البزار رضي الله عنه { أبي هريرة فأراد أن يصافحه فتنحى حذيفة فقال : إني كنت جنبا فقال : إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر حذيفة } . أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي
[ ص: 327 ] عن والطبراني سلمان بإسناد حسن مرفوعا { } . إن المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف ، وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر
وفي الترمذي عن مرفوعا { ابن مسعود } . من تمام التحية الأخذ باليد
وفي البخاري والترمذي عن : قلت قتادة رضي الله عنه أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم . لأنس
وأخرج أبو داود عن أيوب بن بشير العدوي عن رجل من عترة واسمه عبد الله كما قال قال وهو مجهول قال قلت المنذري حيث سير إلى لأبي ذر الشام إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله ، قال إذن أخبرك به إلا أن يكون سرا ، قلت إنه ليس بسر ، { } . هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه ؟ قال ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي فجئت فأخبرت أنه أرسل إلي فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود
وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عطاء الخراساني } رواه الإمام تصافحوا يذهب الغل ، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء هكذا معضلا ، وقد أسنده من طرق فيها مقال . وأخرج مالك بإسناد فيه نظر عن الطبراني مرفوعا { أبي هريرة } ومعنى لأبشهما أكثرهما بشاشة وهي طلاقة الوجه مع التبسم وحسن الإقبال واللطف في المسألة ومعنى أطلقهما أكثرهما وأبلغهما طلاقة وهي بمعنى البشاشة . إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا وتساءلا أنزل الله بينهما مائة رحمة تسعة وتسعين لأبشهما وأطلقهما وأبرهما وأحسنهما مسألة بأخيه
وروي عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمر } . إذا التقى الرجلان المسلمان فسلم أحدهما على صاحبه فإن أحبهما إلى الله أحسنهما بشرا لصاحبه ، فإذا تصافحا نزلت عليهما مائة رحمة للبادئ منهما تسعون وللمصافح عشرة
وفي الحديث الصحيح عن لما جاء أهل أنس اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة } رواه قد جاءكم أهل أبو داود .
[ ص: 328 ] وروى عن الطبراني أبي داود الأعمى وهو متروك قال لقيني رضي الله عنه فأخذ بيدي وصافحني وضحك في وجهي ثم قال : تدري لم أخذت بيدك ؟ قلت لا إلا إنني ظننت أنك لم تفعله إلا لخير ، فقال { البراء بن عازب } . إلى غير ذلك من الأخبار والآثار ، والله الحليم الستار . إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيني ففعل بي ذلك ثم قال أتدري لم فعلت بك ذلك ؟ قلت لا قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن المسلمين إذا التقيا وتصافحا وضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه لا يفعلان ذلك إلا لله ، لم يتفرقا حتى يغفر لهما