ولما ذكر الناظم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه تارة يكون فرض عين ، وتارة فرض كفاية ، وبين من ينكر عليه وما ينكر شرعا ومن ينكر كما قدمنا بيانه ، أعقب ذلك بكيفية الإنكار فقال :
مطلب : يجب على الآمر بالمعروف أن يبدأ بالرفق .
وبالأسهل ابدأ ثم زد قدر حاجة فإن لم يزل بالنافذ الأمر فاصدد ( وبالأسهل ) أي الألين من السهل ضد الحزن ( ابدأ ) أيها الآمر الناهي لتفوز بفضيلة ما قمت به وفضيلة الاتباع في سهولة الأخلاق والانطباع فإن الإنسان ينفعل للرفق ما لا ينفعل للعنف ، يعني أنه أن يبدأ بالرفق ولين الجانب ، سواء كان المنكر عليه مسلما أو ذميا . يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
قال في الآداب : وينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر متواضعا رفيقا فيما يدعو إليه ، رحيما شفيقا غير فظ ولا غليظ القلب ولا متعنت ، دينا نزها عفيفا ذا رأي وحزامة وشدة في الدين ، كما تقدم في كلام الناظم في قوله الفتى الجلد ، قاصدا بذلك وجه الله عز وجل وإقامة دينه ونصرة شرعه وامتثال أمره ، وإحياء سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بلا رياء ولا منافقة ولا مداهنة ، غير منافس ولا مفاخر ، ولا ممن يخالف قوله فعله [ ص: 241 ] ويسن له العمل بالنوافل والمندوبات والرفق وطلاقة الوجه وحسن الخلق عند إنكاره ، والتثبت والمسامحة بالهفوة عند أول مرة .
قال سيدنا الإمام رضي الله عنه : الناس يحتاجون إلى مداراة ورفق الآمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه لأنه يقال : ليس لفاسق حرمة ، فهؤلاء لا حرمة لهم . وسأله مهنا هل يستقيم أن يكون ضربا باليد إذا أمر بالمعروف ؟ قال الرفق . ونقل أحمد يعقوب أنه سئل عن الأمر بالمعروف ، قال كان أصحاب يقولون مهلا رحمكم الله . ونقل ابن مسعود مهنا : ينبغي أن يأمر بالرفق والخضوع . قلت كيف ؟ قال إن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيريد أن ينتصر لنفسه .
قال : ويجب أن يبدأ بالأسهل ، وعبر بعضهم القاضي كالناظم ، ويبدأ بإسقاط ويجب ويعمل بظنه في ذلك ( ثم ) إن لم يزل المنكر الواجب إنكاره ( زد ) على الأسهل بأن تغلظ له القول ( قدر ) أي بقدر ( حاجة ) إزالته ، فإن لم ينفع أغلظ فيه بالزجر والتهديد ، فإن زال فقد حصل المقصود الذي هو إقامة الدين ، ونصرة الشرع المبين ، وزوال المنكر والشين ، وإحياء سنة سيد المرسلين ( فإن لم يزل ) المنكر بذلك كله فاستعن على إزالته ( بالنافذ ) أي الماضي ( الأمر ) يقال أنفذ الأمر قضاه وهو بالذال المعجمة . والنافذ الماضي في جميع أموره كالنفوذ والنفاذ والمطاع من الأمر . وقوله ( فاصدد ) أي فأعرض وأصرف . فيحتمل أنه أراد فأعرض عن ذلك وارفعه لنافذ الأمر وهو بعيد ، والأقرب أنه أراد فاصدده أي امنعه واصرفه بنافذ الأمر الذي هو السلطان أو نائبه .
قال في الآداب : فإن زال وإلا رفعه إلى ولي الأمر ابتداء إن أمن حيفه فيه ، لكن يكره وقد صرح الأصحاب رضوان الله عليهم أن شرط رفعه إلى ولي الأمر أن يأمن حيفه فيه ، ويكون قصده في ذلك النصح لا الغلبة .
وفي نهاية المبتدئين يفعل فيه يعني السلطان ما يجب أو يستحب لا غير ، وظاهره يحرم إن فعل به محرما من أخذ مال ونحوه ، ويكره إن فعل به مكروها . [ ص: 242 ] قال ابن مفلح في آدابه : . ويحرم أخذ مال على حد أو منكر ارتكب
ونقل الشيخ تقي الدين فيه الإجماع أن تعطيل الحق بمال يؤخذ أو غيره لا يجوز ، ولأنه مال سحت خبيث ، ولقد { } ، انتهى . وأطلق بعضهم جواز رفعه إلى ولي الأمر بلا تفصيل . لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش وهو الواسطة