وبالعلما يختص ما اختص علمه بهم وبمن يستنصرون به قد ( وبالعلما ) بالأحكام ، القائمين بشرائع الإسلام . الحافظين شريعة خير الأنام ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، من مندوب ومباح ومكروه ، وحلال وحرام . والجار والمجرور متعلق بقوله ( يختص ) من عموم وجوب الأمر والنهي ( ما ) أي منكر ( اختص علمه ) أي علم ذلك المنكر ( بهم ) أي بالعلماء دون غيرهم قال ابن مفلح في آدابه : من الولاة والعوام وهو المراد بقول وما اختص علمه بالعلماء اختص إنكاره بهم وبمن يأمرونه به الناظم رحمه الله ( و ) يختص إنكاره أيضا ( بمن ) أي بالذي ( يستنصرون ) أي يطلبون النصر ( به ) أي بذلك المستنصر به على إزالة المنكر بفتح الصاد المهملة ، يقال نصره ينصره نصرا إذا أعانه على عدوه ، ونصره منه نجاه وخلصه ، والنصير الناصر .
وقوله ( قد ) هي اسم مرادف لحسب تستعمل مبنية غالبا على السكون وتستعمل معربة ( قد زيد درهم ) بالرفع ، وفي كلام الناظم مبنية على السكون وحركت بالكسر للقافية أي يختص إنكاره بالعلماء أو بمن يأمرونه به من الولاة والعوام دون غيرهم .
قال في الآداب : ومن ولاه السلطان الحسبة تعين عليه فعل ذلك وله في ذلك ما ليس لغيره كسماع البينة . وذكر ليس له سماعها وإن القاضي لزمهم سؤال العلماء فإن أفتوا بوجوبه قاموا به ، وإن [ ص: 223 ] أخبروا بتحريمه امتنعوا منه ، وإن قالوا هو مختلف فيه وقال السلطان يجب لزمهم طاعته كما يجب طاعته في الحكم ، ذكره دعا الإمام أعني السلطان العامة إلى شيء وأشكل عليهم ، وقال الإمام القاضي في معتقده : ومن ابن عقيل فلا يحل له أن يأمر ولا ينهى ، وكذا ذكره لم يعلم أن الفعل الواقع من أخيه المسلم جائز في الشرع أم غير جائز ، وقد روي هذا عن سيدنا القاضي رضي الله عنه . الإمام أحمد
قال في رواية المروذي : ولا يشدد عليهم ، وروي عنه رضي الله عنه بخلاف ذلك . لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه
قال في رواية في الرجل يمر بالقوم وهم يلعبون بالشطرنج : ينهاهم ويعظهم . وقال الميموني أبو داود : سمعت سئل عن رجل مر بقوم يلعبون بالشطرنج فنهاهم فلم ينتهوا فأخذ الشطرنج فرمى به ، فقال قد أحسن . أحمد
وقال في رواية أبي طالب فيمن : يقلبها عليهم إلا أن يغطوها ويستروها . يمر بالقوم يلعبون بالشطرنج
وصلى سيدنا الإمام رضي الله عنه يوما إلى جنب رجل لا يتم ركوعه ولا سجوده ، فقال : يا هذا ، أقم صلبك وأحسن صلاتك ، نقله أحمد إسحاق بن إبراهيم .
وذكر الشيخ رضوان الله عليه في كتابه إبطال التحليل : قولهم ومسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل .
أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا ، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء .
وأما وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار ، كما ينقض العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع ، وإن كان قد تبع بعض العلماء . حكم الحاكم إذا خالف سنة
وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ فلا ينكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا ، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد ، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ، قال والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا مثل حديث صحيح لا معارض له في جنسه فيسوغ [ ص: 224 ] إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة المقاربة أو لخفاء الأدلة فيها ، وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعن على من خالفها من المجتهدين كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف .
وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها ، مثل كون الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بوضع الحمل ، وأن الجماع المجرد عن إنزال يوجب الغسل ، وأن ربا الفضل والمتعة حرام .
وقال في مكان آخر رحمه الله ورضي عنه : يعيد من ترك الطمأنينة ومن لم يوقت المسح نص عليه بخلاف متأول لم يتوضأ من لحم الإبل فإنه على روايتين لتعارض الأدلة والآثار فيه ، فأفهمنا رضي الله عنه أنه إنما يتمشى عدم الإنكار في مسائل الاختلاف حيث لم يخالف نصا صريحا من كتاب وسنة صحيحة صريحة وإجماع قديم .
وأما متى خالفت ذلك ساغ الإنكار ، وأفهم كلامه أنه متى تعارض سنتان فلا يخلو ، فإما أن تقاربها في الصحة بحيث يسوغ العمل بها ، وتصلح أن تكون دليلا أو لا ، فإن كان فهي من مسائل الاجتهاد التي لا يسوغ الإنكار عليها وإلا ساغ الإنكار ، فلاعب الشطرنج ينكر عليه ، وتارك الطمأنينة ، لصحة السنة في الثانية وكثرتها في الأولى والله تعالى أعلم . .