وأوجب عن المحظور كف جوارح وندب عن المكروه غير مشدد ( وأوجب ) أنت أي اعتقده واجبا امتثالا للشريعة الغراء من الكتاب القديم وسنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم . والواجب في اللغة الساقط والثابت . قال في القاموس : وجب يجب وجبة سقط . والشمس وجبا ووجوبا غابت . والوجبة السقطة مع الهدة وصوت الساقط . وفي المصباح : وجب الحق والمبيع يجب وجوبا ووجبة لزم وثبت .
ومن أمثلة الثبوت { } وفي الشرع ما ذم شرعا تاركه قصدا مطلقا وهذا أحسن من قولهم ما يعاقب تاركه أو ما توعد على تركه ونحوهما ( عن ) ارتكاب الشيء ( المحظور ) أي الممنوع والمراد به الحرام وهو ما ذم فاعله ولو قولا أو عمل قلب شرعا ويسمى ممنوعا ومزجورا ومعصية وذنبا وقبيحا وسيئة وفاحشة وإثما وحرجا وتحريجا وعقوبة كما في شرح مختصر التحرير ( كف ) أي صرف ودفع ومنع ، يقال كففته عنه دفعته وصرفته ككففته فكف هو لازم ومتعد . أسألك موجبات رحمتك
وفي الحديث { } يعني في الصلاة ، يحتمل أن يكون بمعنى أي لا أمنعهما من الاسترسال حال السجود ليقعا على الأرض ، ويحتمل أن يكون بمعنى الجمع أي لا أجمعهما وأضمهما كما النهاية ( جوارح ) جمع جارحة وتقدم بيانها . أمرت أن لا [ ص: 207 ] أكف شعرا ولا ثوبا
ودليل وجوب كفها عن المحظور قوله تعالى { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } وتقدم ذكر الجوارح وصونها وكفها ، وإنما أعاده هنا لذكره إياه مجملا من غير تفصيل بين الحرام والمكروه ، إذ النهي يتناولهما كما أسلفنا الكلام عليه آنفا ، وأما هنا فذكر أن كفها عن المحظور واجب ككف يده عن سرقة وغصب وقتل وجرح ونحو ذلك .
ولسانه عن غيبة ونميمة ولعن وقذف وبذاء وما أشبه ذلك . وفرجه عن زناء ومباضعة ومساحقة وجماع نحو زوجة في نحو حيض واستمناء . وعينه عن نظر ما لا يحل له نظره . وسمعه من استماع المحرمات من غيبة ونحوها ، وكذا عن سماع الملاهي وما حرم من الغناء . وبطنه من الحرام ، وقلبه عن الآثام . واسترساله مع الأوهام .
وكذا بقية أعضائه ، وإن ( ندب ) لا وجوب ، وأصل الندب الدعاء لأمر مهم . كان المنهي عنه غير محظور بأن كان نهي كراهة فكف الجوارح عنه
قال الشاعر :
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا
ويسمى المندوب سنة ومستحبا وتطوعا وطاعة ونفلا وقربة ومرغبا فيه وإحسانا . قال الإمام العلامة ابن حمدان في مقنعه : ويسمى الندب تطوعا وطاعة ونفلا وقربة إجماعا وهذا والله أعلم بحسب اصطلاح الفقهاء والأصوليين .
وأما المحدثون فيخصون المسنون بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته لا على سبيل الوجوب . قال الإمام العلامة ابن مفلح في الآداب الوسطى : ويجب كف يده وفمه وفرجه وبقية أعضائه عما يحرم ، ويسن ( من المكروه ) وهو ضد المندوب ، مأخوذ من الكراهة وقيل من الكريهة وهي الشدة في الحرب وفي اصطلاح [ ص: 208 ] أهل الشرع ما مدح تاركه ولم يذم فاعله ولا ثواب في فعله وهو تكليف ومنهي عنه حقيقة ، وهو في عرف أصحابنا المتأخرين مع الإطلاق للتنزيه . والله أعلم ( غير مشدد ) لأنه لا يذم فاعله ولا يعاقب وإن أطلق عليه بأنه مخالف ومسيء وغير ممتثل .
قال الإمام رضوان الله عليه فيمن أحمد أساء . وذكر بعض الأصحاب فيما إذا زاد على التشهد الأول أساء مع أنه لم يذم ولم يأثم . نعم ذكر الإمام وافق المأموم إمامه في أفعال الصلاة ابن عقيل يأثم بترك السنن أكثر عمره لقوله عليه الصلاة والسلام { كالقاضي } متفق عليه ، لأنه يتهم لذلك أو يوهم أن الترك سنة . واحتجا بقول سيدنا الإمام من رغب عن سنتي فليس مني رضوان الله عليه فيمن أحمد إنه رجل سوء . ترك الوتر