( القاعدة الرابعة والخمسون ) : من ثبت له حق في عين وسقط بتصرف غيره فيها ، فهل يجوز للمتصرف فيها الإقدام على التصرف المسقط لحق غيره قبل استئذانه أم لا ؟ هذا على ثلاثة أقسام : أحدها أن يكون الحق الذي يسقط بالتصرف قد أخذ به صاحبه وتملكه ، والثاني أن يكون قد طالب به صريحا أو إيماء ، الذين أن يثبت له الحق شرعا ولم يأخذ به ولم يطالب به .
فأما الأول : فلا يجوز إسقاط حقه ولو ضمنه بالبدل كعتق العبد المرهون إذا قلنا بنفوذه على المذهب المشهور ، فإنه يجوز ، ذكره غير واحد من الأصحاب منهم القاضي وصاحب [ ص: 90 ] الكافي مع أن عتقه يوجب ضمان قيمته يكون رهنا لأن فيه إسقاطا لحقه القائم في العين بغير رضاه ، وكذلك إخراج الرهن بالاستيلاد محرم ولأجله منعنا أصل الوطء ، وكذلك ينبغي أن يكون عتق المفلس المحجور عليه إذا نفذناه لأن غرماءه قد قطعوا تصرفه فيه بالحجر وتملكوا المال وقد ذكره وابن عقيل أيضا في تبذيره قبل الحجر ، وذكر ابن عقيل في خلافه أن ظاهر كلام القاضي جواز عتق الراهن كاقتصاصه من أحد عبيده المرهونين إذا قتله الآخر ولم يذكر لذلك نصا ، ولعله أخذه من قوله بنفوذ العتق ولا يدل ، وأما اقتصاص الراهن من العبد المرهون أو من قاتله ، وقد صرح أحمد القاضي بأنه يجوز لأن فيه تفويتا لحق المرتهن من غير الرهن أو قيمته الواجبة له وواجبا على الراهن قيمته تكون رهنا ، وصرحا أيضا [ ههنا ] بأن العتق ههنا لا يجوز وإنما ذكرا جوازه في مسألة العتق وظاهر كلام وابن عقيل جواز القصاص فيكون الفرق بين القصاص والعتق أن وجوب القصاص تعلق بالعبد تعلقا يقدم به على حق المرتهن بدليل أن حق الجاني مقدم على المرتهن لانحصار حقه فيه بخلاف المرتهن وهذا مفقود في العتق . أحمد
وأما الثاني : فلا يجوز أيضا ، ومنه خيار البائع المشترط في العقد لا يجوز للمشتري إسقاطه بالتصرف في المبيع ، وإن قلنا إن الملك له فإن اشتراطه الخيار في العقد تعريض بالمطالبة بالفسخ .
وأما الثالث : ففيه خلاف ، والصحيح أنه لا يجوز أيضا ، ولهذا لا يجوز إسقاط خياره الثابت في المجلس [ بالعتق ولا غيره ] كما لو اشترطه .
ويندرج في صور الخلاف مسائل : منها ، وفيه روايتان إحداهما يجوز ; لفعل مفارقة أحد المتبايعين الآخر في المجلس بغير إذنه خشية أن يفسخ الآخر . ابن عمر
والثانية لا يجوز ; لحديث عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عمرو بن شعيب } . وهو صريح في التحريم وهو اختيار لا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله أبي بكر وصاحب المغني ومنها ينبغي أن يخرج على الخلاف في التي قبلها ، وصرح تصرف المشتري في الشقص المشفوع بالوقف قبل الطلب بجوازه ، وظاهر كلامه في مسألة التحيل على إسقاط الشفعة تحريمه وهو الأظهر ، ويدل عليه أن { القاضي } ، مع أن حقه من الأخذ لا يسقط بذلك ، فأولى أن ينهى عما يسقط حقه بالكلية ومنها النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشريك حتى يعرض على شريكه ليأخذ أو يذر ، الأظهر تخريجه على الخلاف . وطء العبد زوجته الأمة إذا عتقت ولم تعلم بالعتق ليسقط اختيارها للفسخ
وقال الشيخ في تعليقه على الهداية قياس مذهبنا جوازه وفيما قاله نظر [ ص: 91 ] مجد الدين فإنه لا يجوز صرح به في المحرر ، فأما تصرف أحد المتبايعين فيما بيده من العوض إذا استحق الآخر رد ما بيده بعيب أو خلف في صفة فيجوز ، ذكره ومنها تصرف الزوجة في نصف الصداق إذا طلق الزوج قبل الدخول وقلنا لم يملكه [ مهرا ] في خلافه لأن تصرفه لا يمنع حق الآخر من رد ما بيده فإذا رده استحق الرجوع بالعوض الذي بدله إن كان باقيا وإلا رجع ببدله وقياس هذا أن للبائع التصرف في الثمن في مدة الخيار ، وظاهر كلام القاضي في رواية أحمد أن للبائع التصرف في الثمن في مدة الخيار إلا أن يتخذ حيلة على أن يقرض غيره مالا ويأخذ منه ما ينتفع به صورة البيع ويشترط الخيار ليرجع فيه ، وإن كان على غير وجه الحيلة فيجوز ولم يمنعه من التصرف في الثمن . الأثرم