[ ص: 680 ] ثم دخلت
فيها جمعت سنة أربع وتسعين وخمسمائة الفرنج جموعها وأقبلوا فحاصروا تبنين ، فاستدعى العادل بني أخيه لقتالهم ، فجاءه العزيز من مصر والأفضل من صرخد فأقلعت الفرنج عن الحصن وبلغهم موت ملك الألمان ، فطلبوا من العادل الهدنة والأمان ، فهادنهم ورجعت الملوك إلى أماكنها ، وقد عظم المعظم عيسى بن العادل في هذه المدة واستنابه أبوه على دمشق وسار إلى ملكه بالجزيرة فأحسن فيهم السيرة .
وكان قد توفي في هذه السنة السلطان صاحب سنجار وغيرها من المدائن الكبار ، وهو عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي الأتابكي ، كان من خيار الملوك وأحسنهم شكلا وسيرة ، وأجودهم طوية وسريرة ، غير أنه كان يبخل ، وكان شديد المحبة للعلماء ، ولا سيما الحنفية ، وقد ابتنى لهم مدرسة بسنجار ، وشرط لهم طعاما يطبخ لكل واحد منهم في كل يوم ، وهذا نظر حسن ، والفقيه أولى بهذه الحسنة من الفقير ; لاشتغال الفقيه بتكراره ومطالعته عن الفكر فيما يقيته ، فعدا على أولاده ابن عمه صاحب الموصل فأخذ الملك منهم ، فاستغاث [ ص: 681 ] بنوه بالملك العادل ، فرد فيهم الملك ودرأ عنهم الضيم ، واستقرت المملكة لولده قطب الدين محمد ، ثم سار العادل إلى ماردين فحاصرها في شهر رمضان فاستولى على ربضها ومعاملتها ، وأعجزته قلعتها فصاف عليها وشتا ، وما ظن أحد أنه تملكها ; حتى هنته الشعراء بذلك ; لأن ذلك لم يكن مثبوتا ولا مقدرا .
وفيها ملكت الغور مدينة بلخ وكسروا الخطا وقهروهم وهزموهم وتوقعوا بإرسال الخليفة إليهم أن يمنعوا خوارزم شاه من دخول العراق فإنه كان يروم أن يخطب له ببغداد .
وفيها حاصر خوارزم شاه مدينة بخارا ففتحها بعد مدة ، وقد كانت امتنعت عليه دهرا ونصرهم الخطا فقهرهم جميعا وأخذها عنوة ، وعفا عن أهلها وصفح عنهم ، وقد كانوا ألبسوا كلبا أعور قباء وسموه خوارزم شاه ، ورموه في المنجنيق إلى الخوارزمية ، وقالوا : هذا ملككم . وكان خوارزم شاه أعور ، فلما قدر عليهم عفا عنهم ، جزاه الله خيرا .