: وفيها توفي من الأعيان
أبو الجواب . وطلق بن غنام ، صاحب " المصنف " ، و " المسند " ، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني ، وعبد الله بن صالح العجلي ، وأبو العتاهية الشاعر المفلق المشهور ، واسمه إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان ، أصله من الحجاز ، وسكن بغداد وكان يبيع الجرار أولا ، ثم حظي عند الخلفاء لا سيما المهدي ، وقد كان يعشق جارية للمهدي اسمها عتبة وقد [ ص: 183 ] طلبها من الخليفة غير مرة ، فإذا سمح له بها لا تريده الجارية ، وتقول للخليفة : أتعطيني لرجل دميم الخلق كان يبيع الجرار ؟ فكان يكثر التغزل فيها ، وشاع أمره واشتهر بها ، وكان المهدي يفهم ذلك منه .
وقد اتفق في بعض الأحيان أن الخليفة المهدي استدعى الشعراء إلى مجلسه فاجتمعوا ، وكان فيهم أبو العتاهية فسمع صوت وبشار بن برد الأعمى ، فقال أبي العتاهية ، بشار لجليسه : أثم هاهنا أبو العتاهية ؟ قال : نعم . فوجم لها بشار ، ثم استنشد المهدي أبا العتاهية . فانطلق ينشده قصيدته فيها ، التي أولها :
ألا ما لسيدتي ما لها أدلت فأحمل إدلالاها
فقال بشار لجليسه : ما رأيت أجسر من هذا . حتى انتهى أبو العتاهية إلى قوله :أتته الخلافة منقادة إليه تجرر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره لزلزلت الأرض زلزالها
[ ص: 184 ] ولو لم تطعه بنات القلوب لما قبل الله أعمالها
وقال ابن خلكان : اجتمع أبو العتاهية وكان في طبقته وطبقة بأبي نواس بشار ، فقال أبو العتاهية : كم تعمل في اليوم من الشعر ؟ قال : بيتا أو بيتين . فقال : لكني أعمل المائة والمائتين . فقال لأبي نواس أبو نواس : لأنك تعمل مثل قولك :
يا عتب ما لي ولك يا ليتني لم أرك
من كف ذات حر في زي ذي ذكر لها محبان لوطي وزناء
قال ابن خلكان : ومن لطيف شعر : أبي العتاهية
ولقد صبوت إليك حت ى صار من فرط التصابي
[ ص: 185 ] يجد الجليس إذا دنا ريح التصابي في ثيابي
إن عيشا يكون آخره الموت لعيش معجل التنغيص