[ ص: 321 ] ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وستمائة
فيها رسول الخليفة بين صاحب نجم الدين الباذرائي مصر وصاحب الشام ، وأصلح بين الجيشين ، وكانوا قد اشتدت الحرب بينهم ونشبت ، وقد دخل الشيخ الفرنج ، ووعدهم أن يسلموا إليهم بيت المقدس إن نصروهم على الشاميين ، وجرت خطوب كثيرة ، فأصلح بينهم وخلص جماعة من بيوت الملوك من الديار المصرية ، منهم أولاد مالأ الجيش المصري الصالح إسماعيل ، وبنت الأشرف وغيرهم من أولاد صاحب حمص وغيرهم ، فجزاه الله خيرا .
وفيها فيما ذكر ابن الساعي كان رجل ببغداد على رأسه زبادي قاشاني ، فزلق فتكسرت ، ووقف يبكي ، فتألم الناس له لفقره وحاجته ، وأنه لم يكن يملك غيرها ، فأعطاه رجل من الحاضرين دينارا ، فلما أخذه نظر فيه طويلا ، ثم قال : والله هذا الدينار أعرفه ، وقد ذهب مني في جملة دنانير عام أول ، فشتمه بعض الحاضرين ، فقال له ذلك الرجل : فما علامة ما قلت؟ قال : زنة هذا وكذا وكذا . وكان معه ثلاثة وعشرون دينارا ، فوزنوه فوجدوه كما ذكر ، فأخرج له الرجل ثلاثة وعشرين دينارا ، وكان قد وجدها ، كما قال ، حين [ ص: 322 ] سقطت منه فتعجب الناس لذلك . قال : ويقرب من هذا أن رجلا بمكة نزع ثيابه ليغتسل من ماء زمزم ، وأخرج من عضده دملجا زنته خمسون مثقالا ، فوضعه مع ثيابه ، فلما فرغ من اغتساله لبس ثيابه ، ونسي الدملج ومضى ، وصار إلى بغداد ، وبقي مدة سنتين بعد ذلك ، وأيس منه ، ولم يبق معه سوى شيء يسير ، فاشترى به زجاجا من القوارير ليبيعها ويتكسب بها .
فبينما هو يطوف بها إذ تعس ، فسقطت القوارير ، فتكسرت فوقف يبكي ، واجتمع الناس عليه يتألمون له ، فقال في جملة كلامه : والله يا جماعة لقد ذهب مني من مدة سنتين دملج من ذهب عند بئر زمزم زنته خمسون مثقالا ، ما تألمت لفقده ما تألمت لتكسير هذه القوارير ، وما ذاك إلا لأن هذه كانت جميع ما أملك . فقال له رجل من الجماعة : فأنا والله لقيت ذلك الدملج . وأخرجه من عضده فدفعه إليه ، فتعجب الناس والحاضرون .