فيها الصائفة ثمامة بن الوليد ، فنزل دابق ، وجاشت الروم عليه ، فلم يتمكن المسلمون من الدخول إليها بسبب ذلك . غزا
وفيها المهدي بحفر الركايا وعمل المصانع وبناء القصور في طريق مكة ، وولى على ذلك أمر يقطين بن موسى ، فلم يزل يعمل في ذلك إلى سنة إحدى وسبعين ومائة ، حتى صارت طريق الحجاز من أرفق الطرقات وآمنها وأطيبها .
وفيها المهدي جامع البصرة من قبلته وغربه . وسع
وفيها كتب إلى الآفاق أن لا تبقى مقصورة في مسجد جماعة ، وأن تقصر المنابر إلى مقدار ما كان منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعل ذلك في المدائن كلها .
وفيها اتضعت منزلة أبي عبيد الله وزير المهدي عنده ، وظهرت عنده خيانته ، فضم إليه المهدي من يشرف عليه ، فكان ممن ضم إليه إسماعيل ابن علية ، ثم أبعده وأقصاه وأخرجه من معسكره .
وفيها عافية بن يزيد الأزدي ، فكان يحكم هو ولي القضاء في عسكر وابن علاثة المهدي بالرصافة .
[ ص: 489 ] وفيها خرج رجل يقال له : المقنع . بخراسان في قرية من قرى مرو ، وكان يقول بالتناسخ ، واتبعه على ضلالته خلق كثير ، فجهز له المهدي عدة من أمرائه ، وأنفذ إليه جيوشا كثيرة ، منهم معاذ بن مسلم أمير خراسان ، فكان من أمره وأمرهم ما سنذكره .
موسى الهادي ابن أمير المؤمنين ، وهو ولي عهد أبيه ، كما قدمنا . وحج بالناس في هذه السنة
إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي ، وزائدة بن قدامة ، وفيها توفي وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، أحد أئمة الإسلام وعباده والمقتدى بهم ، أبو عبد الله الكوفي ، روى عن غير واحد من التابعين ، وروى عنه خلق من الأئمة وغيرهم .
قال شعبة وسفيان بن عيينة وأبو عاصم وغير واحد : هو أمير المؤمنين في الحديث . ويحيى بن معين
وقال ابن المبارك : كتبت عن ألف ومائة شيخ ، هو أفضلهم .
[ ص: 490 ] وقال أيوب : ما رأيت كوفيا أفضله عليه .
وقال يونس بن عبيد : ما رأيت أفضل منه .
وقال عبد الله بن داود : ما رأيت أفقه من الثوري .
وقال شعبة : ساد في الناس بالورع والعلم .
وقال سفيان بن عيينة : أصحاب الحديث ثلاثة; ابن عباس في زمانه ، في زمانه ، والشعبي في زمانه . والثوري
وقال : لا يتقدمه في قلبي أحد . ثم قال : أتدري من الإمام؟ الإمام الإمام أحمد . سفيان الثوري
وقال عبد الرزاق : سمعت الثوري يقول : ما استودعت قلبي شيئا قط فخانني .
وقال الثوري : لأن أترك عشرة آلاف دينار يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن أحتاج إلى الناس .
قال محمد بن سعد : أجمعوا أنه توفي بالبصرة ، سنة إحدى وستين ومائة .
[ ص: 491 ] وكان عمره يوم مات أربعا وستين سنة . ورآه بعضهم في المنام يطير في الجنة من نخلة إلى نخلة ، وهو يقرأ : الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين [ الزمر : 74 ] .
زند بن الجون ، الشاعر الماجن ، أبو دلامة أحد الظرفاء ، أصله من الكوفة ، وأقام ببغداد ، وحظي عند لأنه كان يضحكه ، وينشده ويمدحه; حضر يوما جنازة امرأة أبي جعفر المنصور; المنصور وابنة عمه حمادة بنت عيسى ، وكان المنصور قد وجد عليها ، فلما شهد القبر نظر إليه المنصور ثم قال : ويحك يا لأبي دلامة أبا دلامة ! ما أعددت لهذا؟ فقال : ابنة عم أمير المؤمنين . فضحك المنصور حتى استلقى ، ثم قال : ويحك! فضحتنا بين الناس .
ودخل يوما على المهدي يهنئه بقدومه من سفره وأنشده :
إني حلفت لئن رأيتك سالما بقرى العراق وأنت ذو وفر لتصلين على النبي محمد
ولتملأن دراهما حجري
[ ص: 492 ] وذكر عنه ابن خلكان أنه مرض ابنه فداواه طبيب ، فلما عوفي قال له : ليس عندنا ما نعطيك ، ولكن ادع على فلان اليهودي بمبلغ ما تستحقه; حتى أشهد أنا وولدي عليه . فادعى عليه عند قاضي الكوفة محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى - وقيل : ابن شبرمة - فأنكر اليهودي ، فشهد عليه أبو دلامة وابنه ، فلم يستطع القاضي أن يرد شهادتهما ، وخاف من طلب التزكية ، فأعطى المدعي المال من عنده ، وأطلق اليهودي ، وجمع القاضي بين المصالح .
توفي أبو دلامة في هذه السنة ، وقيل : إنه أدرك خلافة الرشيد سنة سبعين والله أعلم .