[ ص: 300 ]
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا للموت
ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها
يمضي الأصاغر والأكابر لا من مضى يأتي إليك
ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محالة
حيث صار القوم صائر
في الذاهبين الأولي ن من القرون لنا بصائر
الما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها يسعى الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر
وأخبرنا الشيخ المسند الرحلة أحمد بن أبي طالب الحجار إجازة إن لم يكن سماعا ، قال : أجاز لنا جعفر بن علي الهمداني قال : أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلفي سماعا ، وقرأت على شيخنا الحافظ أبي عبد الله الذهبي أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن أبي بكر الخلال سماعا ، قال : أنا جعفر بن علي سماعا قال : أنا السلفي سماعا ، أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي أنا أبو الفضل محمد بن أحمد [ ص: 303 ] عيسى السعدي أنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد السعدي - قاضي فارس - حدثنا أبو داود سليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الطائي من أهل حران حدثنا أبو عمرو سعيد بن بزيع عن محمد بن إسحاق حدثني بعض أصحابنا من أهل العلم عن أنه قال كان الحسن بن أبي الحسن البصري الجارود بن المعلى بن حنش بن معلى العبدي نصرانيا حسن المعرفة بتفسير الكتب وتأويلها ، عالما بسير الفرس وأقاويلها ، بصيرا بالفلسفة والطب ، ظاهر الدهاء والأدب كامل الجمال ذا ثروة ومال ، وإنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وافدا في رجال من عبد القيس ذوي آراء وأسنان وفصاحة وبيان وحجج وبرهان فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وقف بين يديه وأشار إليه ، وأنشأ يقول :
يا نبي الهدى أتتك رجال قطعت فدفدا وآلا فآلا
وطوت نحوك الصحاصح تهوي لا تعد الكلال فيك كلالا
كل بهماء قصر الطرف عنها أرقلتها قلاصنا إرقالا
وطوتها العتاق تجمح فيها بكماة كأنجم تتلالا
تبتغي دفع بأس يوم عظيم هائل أوجع القلوب وهالا
ومزادا لمحشر الخلق طرا وفراقا لمن تمادى ضلالا
[ ص: 304 ] نحو نور من الإله وبرها ن وبر ونعمة أن تنالا
خصك الله يا ابن آمنة الخي ر بها إذ أتت سجالا سجالا
فاجعل الحظ منك يا حجة الله جزيلا لا حظ خلف أحالا
وهو القائل
ذكر القلب من جواه ادكار وليال خلا لهن نهار
وسجال هواطل من غمام ثرن ماء وفي جواهن نار
ضوءها يطمس العيون وأرعا د شداد في الخافقين تطار
وقصور مشيدة حوت الخي ر وأخرى خلت بهن قفار
وجبال شوامخ راسيات وبحار مياههن غزار
ونجوم تلوح في ظلم اللي ل نراها في كل يوم تدار
ثم شمس يحثها قمر اللي ل وكل متابع موار
[ ص: 307 ] وصغير وأشمط وكبير كلهم في الصعيد يوما مزار
كثير مما يقصر عنه حدسه الخاطر الذي لا يحار
فالذي قد ذكرت دل على الل ه نفوسا لها هدى واعتبار
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر
[ ص: 308 ] لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر
خليلي هبا طالما قد رقدتما أجدكما لا تقضيان كراكما
[ ص: 310 ] أرى النوم بين الجلد والعظم منكما كأن الذي يسقي العقار سقاكما
أمن طول نوم لا تجيبان داعيا كأن الذي يسقي العقار سقاكما
ألم تعلما أني بنجران مفردا وما لي فيه من حبيب سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحا إياب الليالي أو يجيب صداكما
أأبكيكما طول الحياة وما الذي يرد على ذي لوعة أن بكاكما
فلو جعلت نفس لنفس امرئ فدى لجدت بنفسي أن تكون فداكما
كأنكما والموت أقرب غاية بروحي في قبريكما قد أتاكما
وقد رواه والحافظ البيهقي أبو القاسم ابن عساكر من وجه آخر من حديث محمد بن عيسى بن محمد بن سعيد القرشي الأخباري ثنا أبي ثنا علي بن سليمان عن سليمان بن علي عن علي بن عبد الله عن رضي الله عنهما قال : قدم عبد الله بن عباس الجارود بن عبد الله فذكر مثله [ ص: 311 ] أو نحوه مطولا بزيادات كثيرة في نظمه ونثره ، وفيه ما ذكره عن الذي ضل بعيره فذهب في طلبه قال : فبت في واد لا آمن فيه حتفي ولا أركن إلى غير سيفي فبت أرقب الكوكب ، وأرمق الغيهب حتى إذا الليل عسعس ، وكاد الصبح أن يتنفس هتف بي هاتف يقول :
يا أيها الراقد في الليل الأجم قد بعث الله نبيا في الحرم
من هاشم أهل الوفاء والكرم يجلو دجنات الدياجي والبهم
يا أيها الهاتف في داجي الظلم أهلا وسهلا بك من طيف ألم
بين هداك الله في لحن الكلم ماذا الذي تدعو إليه يغتنم
الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبث
لم يخلنا يوما سدى من بعد عيسى واكترث
أرسل فينا أحمدا خير نبي قد بعث
صلى عليه الله ما حج له ركب ، وحث
يا ناعي الموت والملحود في جدث عليهم من بقايا قولهم خرق
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم فهم إذا انتبهوا من نومهم أرقوا
حتى يعودوا بحال غير حالهم خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
منهم عراة ومنهم في ثيابهم منها الجديد ومنها المنهج الخلق
يا ناعي الموت والأموات في جدث عليهم من بقايا نومهم خرق
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم كما ينبه من نوماته الصعق
منهم عراة وموتى في ثيابهم منها الجديد ومنها الأزرق الخلق
وقال : أنا البيهقي أبو سعد بن محمد بن أحمد الشعيثي ثنا أبو عمرو بن أبي طاهر المحمدآباذي لفظا ، ثنا أبو لبابة محمد بن المهدي الإبيوردي ثنا أبي ثنا سعيد بن هبيرة ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن [ ص: 314 ] أنس بن مالك قال قدم وفد إياد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما فعل قس بن ساعدة ؟ قالوا : هلك . قال : أما إني سمعت منه كلاما أرى أني أحفظه فقال بعض القوم : نحن نحفظه يا رسول الله قال : هاتوا فقال قائلهم : إني واقف بسوق عكاظ فقال : يا أيها الناس استمعوا واسمعوا وعوا ، كل من عاش مات ، وكل من مات فات ، وكل ما هو آت آت ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، ونجوم تزهر ، وبحار تزخر ، وجبال مرسية ، وأنهار مجرية ، إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا أرى الناس يموتون ولا يرجعون أرضوا بالإقامة فأقاموا أم تركوا فناموا . أقسم قس قسما بالله لا إثم فيه إن لله دينا هو أرضى مما أنتم عليه ، ثم أنشأ يقول :
في الذاهبين الأولي ن من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها يسعى الأصاغر والأكابر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر