[ ص: 154 ]
ثم دخلت سنة ثنتين وأربعين
فيها غزا المسلمون اللان والروم ، فقتلوا من أمرائهم وبطارقتهم خلقا كثيرا ، وغنموا وسلموا .
وفيها ولى معاوية نيابة مروان بن الحكم المدينة ، وعلى مكة خالد بن العاص بن هشام ، وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة ، وعلى قضائها شريح القاضي ، وعلى البصرة عبد الله بن عامر ، وعلى خراسان قيس بن الهيثم من قبل عبد الله بن عامر واستقضى مروان على المدينة عبد الله بن الحارث ، وعلى قضاء البصرة عميرة بن يثربي .
وفي هذه السنة الخوارج الذين كانوا قد عفا عنهم علي يوم تحركت النهروان وقد عوفي جرحاهم وثابت إليهم قواهم ، فلما بلغهم مقتل علي ترحموا على قاتله ابن ملجم ، وقال قائلهم : لا يقطع الله يدا علت قذال علي بالسيف . وجعلوا يحمدون الله على قتل علي ، ثم عزموا على الخروج على الناس ، وتوافقوا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يزعمون .
وفي هذه السنة على زياد بن أبيه معاوية ، وكان قد امتنع عليه قريبا من سنة في قلعة عرفت به يقال لها : قدم قلعة زياد . فكتب إليه معاوية : ما يحملك على أن تهلك نفسك ؟ أقدم علي فأخبرني بما صار إليك من أموال فارس [ ص: 155 ] وما صرفت منها وما بقي عندك ، فائتني به وأنت آمن ، فإن شئت أن تقيم عندنا فعلت ، وإلا ذهبت حيثما شئت من الأرض فأنت آمن . فعند ذلك أزمع زياد السير إلى معاوية ، فبلغ المغيرة قدومه ، فخشي أن يجتمع بمعاوية قبله ، فسار نحو دمشق إلى معاوية ، فسبقه زياد إلى معاوية بشهر ، فقال معاوية للمغيرة : ما هذا وهو أبعد منك وأنت جئت بعده بشهر ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه ينتظر الزيادة ، وأنا أنتظر النقصان . فأكرم معاوية زيادا ، وقبض ما كان معه من الأموال ، وصدقه فيما صرفه وما بقي عنده .