ثم قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي ، حدثنا ، حدثنا موسى بن سهل الجوني أحمد بن القاسم بن بهرام الهيتي ، حدثنا نصر بن حماد ، عن عثمان بن عطاء ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما فرغت مما أمرني الله تعالى به من أمر السماوات والأرض قلت : يا رب إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد كرمته ; جعلت إبراهيم خليلا ، وموسى كليما ، وسخرت لداود الجبال ، ولسليمان الريح والشياطين ، وأحييت لعيسى الموتى ، فما جعلت لي ؟ قال : أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله ، أن لا أذكر إلا ذكرت معي ، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرأون القرآن ظاهرا ، ولم أعطها أمة ، وأنزلت عليك كلمة من كنوز عرشي : لا حول ولا قوة إلا بالله . وهذا إسناد فيه غرابة ، ولكن أورد له شاهدا من طريق أبي القاسم ابن بنت منيع البغوي ، عن سليمان بن داود الزهراني ، عن حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مرفوعا بنحوه .
وقد رواه في كتاب " دلائل النبوة " بسياق آخر ، وفيه انقطاع ، فقال : حدثنا أبو زرعة الرازي هشام بن عمر الدمشقي ، حدثنا ، حدثنا [ ص: 370 ] الوليد بن مسلم شعيب بن رزيق ، أنه سمع يحدث عن عطاء الخراساني أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم عن حديث ليلة أسري به ، قال : وأنس بن مالك جبريل ؟ قال : هذه الجنة تقول : يا رب ائتني بأهلي . قال الله تعالى : أنا الله لا إله إلا أنا ، لك ما وعدتك ، كل مؤمن ومؤمنة لم يتخذ من دوني أندادا ، ومن أقرضني جزيته ، ومن توكل علي كفيته ، ومن سألني أعطيته ، ولا ينقص نفقتي ، ولا ينقص ما يتمنى ، لك ما وعدتك ، فنعم دار المتقين أنت . قالت : رضيت . فلما انتهينا إلى سدرة المنتهى خررت ساجدا ، فرفعت رأسي فقلت : يا رب ، اتخذت إبراهيم خليلا ، وكلمت موسى تكليما ، وآتيت داود زبورا ، وآتيت سليمان ملكا عظيما . قال : فإني قد رفعت لك ذكرك ؛ تذكر معي إذا ذكرت ، ولا تجوز لأمتك خطبة حتى يشهدوا أنك رسولي ، وجعلت قلوب أمتك أناجيل ، وآتيتك من تحت عرشي خواتيم سورة البقرة . فأراني الله من آياته فوجدت ريحا طيبة فقلت : ما هذا يا
ثم روى من طريق الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن حديث [ ص: 371 ] الإسراء بطوله ، كما سقناه من طريق أبي هريرة ابن جرير في " التفسير " . وقال أبو زرعة في سياقه : ثم لقي أرواح الأنبياء ، عليهم السلام ، فأثنوا على ربهم ، عز وجل ، فقال إبراهيم : الحمد لله الذي اتخذني خليلا ، وأعطاني ملكا عظيما ، وجعلني أمة قانتا لله يؤتم بي ، وأنقذني من النار ، وجعلها علي بردا وسلاما . ثم إن موسى أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي كلمني تكليما ، واصطفاني برسالته وبكلامه ، وقربني نجيا ، وأنزل علي التوراة ، وجعل هلاك فرعون على يدي ، ونجاة بني إسرائيل على يدي . ثم إن داود أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي جعلني ملكا ، وأنزل علي الزبور ، وألان لي الحديد ، وسخر لي الجبال يسبحن معي والطير ، وآتاني الحكمة وفصل الخطاب . ثم إن سليمان أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي سخر لي الرياح والجن والإنس ، وسخر لي الشياطين يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ، وعلمني منطق الطير ، وأسال لي عين القطر ، وأعطاني ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي . ثم إن عيسى ، عليه السلام ، أثنى على ربه ، عز وجل ، فقال : الحمد لله الذي علمني التوراة والإنجيل ، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله ، ورفعني وطهرني من الذين كفروا ، وأعاذني من الشيطان الرجيم ، فلم يكن للشيطان علينا سبيل . ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه فقال : . فقال " كلكم أثنى على ربه ، وأنا مثن على ربي ; الحمد لله الذي أرسلني رحمة [ ص: 372 ] للعالمين ، وكافة للناس بشيرا ونذيرا ، وأنزل علي الفرقان فيه بيان كل شيء ، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس ، وجعل أمتي أمة وسطا ، وجعل أمتي هم الأولين وهم الآخرين ، وشرح لي صدري ، ووضع عني وزري ، ورفع لي ذكري ، وجعلني فاتحا وخاتما " إبراهيم : بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم أورد أبو نعيم الحديث المتقدم فيما رواه الحاكم من طريق والبيهقي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمر بن الخطاب مرفوعا في قول آدم : " محمد رسول الله . فعرفت أنك لم تكن تضيف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ، فقال الله : صدقت يا آدم ، ولولا محمد ما خلقتك " . وقال بعض الأئمة : رفع الله ذكره ، ونوه باسمه في الأولين والآخرين ، وكذلك يرفع قدره ويقيمه مقاما محمودا يوم القيامة ، يغبطه به الأولون والآخرون ، ويرغب إليه الخلق كلهم حتى يا رب ، أسألك بحق محمد لما غفرت لي . فقال الله : وما أدراك ولم أخلقه بعد ؟ فقال : لأني رأيت مكتوبا مع اسمك على ساق العرش : لا إله إلا الله إبراهيم الخليل ، كما ورد في " صحيح مسلم " فيما سلف ، وسيأتي أيضا .
[ ص: 373 ] فأما التنويه بذكره في الأمم الخالية ، والقرون السالفة ، ففي " صحيح وغيره عن البخاري " ابن عباس قال : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به وليتبعنه ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ على أمته العهد والميثاق ; لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتبعنه . وقد بشرت بوجوده الأنبياء حتى كان آخر من بشر به عيسى ابن مريم خاتم أنبياء بني إسرائيل ، وكذلك بشرت به الأحبار والرهبان والكهان ، كما قدمنا ذلك مبسوطا ، ولما كانت ليلة الإسراء رفع من سماء إلى سماء حتى سلم على إدريس ، عليه السلام ، وهو في السماء الرابعة ، ثم جاوزه إلى الخامسة ، ثم إلى السادسة ، فسلم على موسى بها ، ثم جاوزه إلى السابعة فسلم على إبراهيم الخليل بها عند البيت المعمور ، ثم جاوز ذلك المقام ، فرفع لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام ، وجاء سدرة المنتهى ، ورأى الجنة والنار وغير ذلك من الآيات الكبرى ، وصلى بالأنبياء ، وشيعه من كل سماء مقربوها ، وسلم عليه رضوان خازن الجنان ، ومالك خازن النار ، فهذا هو الشرف ، وهذه هي الرفعة ، وهذا هو التكريم والتنويه والإشهار والتقديم والعلو والعظمة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين .
وأما رفع ذكره في الآخرين ، فإن دينه باق ناسخ لكل دين ، ولا ينسخ هو أبد الآبدين ، ودهر الداهرين إلى يوم الدين ، ولا تزال طائفة من أمته ظاهرين على [ ص: 374 ] الحق ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة ، والنداء بالأذان في كل يوم خمس مرات على كل مكان مرتفع من الأرض : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله . وهكذا كل خطيب يخطب لا بد أن يذكره في خطبته ، وما أحسن قول حسان .
أغر عليه للنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله
فذو العرش محمود وهذا محمد
لا يصح الأذان في الفرض إلا باسمه العذب في الفم المرضي
ألم تر أنا لا يصح أذاننا ولا فرضنا إن لم نكرره فيهما