ذكر
قال ما أصاب المسلمين من المصيبة العظيمة بوفاته صلى الله عليه وسلم : ثنا البخاري سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا ثابت ، عن أنس قال : لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب ، فقالت فاطمة : واكرب أبتاه . فقال لها : " ليس على أبيك كرب بعد اليوم " فلما مات قالت : يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه ، من جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ، إلى جبريل ننعاه . فلما دفن قالت فاطمة : يا أنس ، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب ؟ ! تفرد به رحمه الله . البخاري ،
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا ثابت البناني ، قال أنس : فلما دفنا النبي صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة : يا أنس أطابت أنفسكم أن دفنتم [ ص: 157 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في التراب ورجعتم ؟ ! وهكذا رواه ابن ماجه مختصرا من حديث حماد بن زيد به . وعنده : قال حماد : فكان ثابت إذا حدث بهذا الحديث بكى حتى تختلف أضلاعه . وهذا لا يعد نياحة بل هو من باب ذكر فضائله الحق ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، وإنما قلنا هذا ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النياحة .
وقد روى الإمام أحمد من حديث والنسائي شعبة ، سمعت قتادة ، سمعت مطرفا يحدث ، عن حكيم بن قيس بن عاصم ، عن أبيه - فيما أوصى به إلى بنيه - أنه قال : ولا تنوحوا علي ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه . وقد رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في " النوادر " ، عن عمرو بن مرزوق ، عن شعبة به . ثم رواه عن عن علي بن المديني ، المغيرة بن سلمة ، عن الصعق بن حزن ، عن القاسم بن مطيب ، عن عن الحسن البصري ، قيس بن عاصم به قال : لا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه ، وقد سمعته . ثم رواه عن ينهى عن النياحة علي ، عن محمد بن الفضل ، عن الصعق ، عن القاسم ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن عاصم به .
وقال الحافظ : ثنا أبو بكر البزار عقبة بن سنان ، ثنا عثمان بن عثمان ، ثنا [ ص: 158 ] محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه . أبي هريرة ،
وقال الإمام أحمد : ثنا عفان ، ثنا جعفر بن سليمان ، ثنا ثابت ، عن أنس قال : المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء . قال : وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا . وهكذا رواه لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الترمذي جميعا ، عن وابن ماجه بشر بن هلال الصواف ، عن به . وقال جعفر بن سليمان الضبعي الترمذي : هذا حديث صحيح غريب .
قلت ، وإسناده على شرط " الصحيحين " ، ومحفوظ من حديث جعفر بن سليمان ، وقد أخرج له الجماعة ، رواه الناس عنه كذلك .
وقد أغرب الكديمي ، وهو محمد بن يونس ، رحمه الله ، في روايته له حيث قال : ثنا ثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، ثابت ، عن أنس قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض ، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها أو لا يبصرها ، وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا . رواه من طريقه كذلك ، وقد رواه من طريق غيره من الحفاظ ، عن البيهقي كما قدمنا ، [ ص: 159 ] وهو المحفوظ ، والله أعلم . أبي الوليد الطيالسي ،
وقد روى الحافظ الكبير من طريق أبو القاسم بن عساكر ثنا أبي حفص بن شاهين ، حسين بن أحمد بن بسطام بالأبلة ، ثنا محمد بن يزيد الرواسي ، ثنا مسلمة بن علقمة ، عن عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، قال : أبي سعيد الخدري لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء .
وقال ابن ماجه : ثنا إسحاق بن منصور ، ثنا عن عبد الوهاب بن عطاء العجلي ، ابن عون ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما وجهنا واحد ، فلما قبض نظرنا هكذا وهكذا .
وقال أيضا : ثنا ثنا خالي إبراهيم بن المنذر الحزامي ، محمد بن إبراهيم بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة السهمي ، حدثني موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي ، حدثني مصعب بن عبد الله ، عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي لم يعد [ ص: 160 ] بصر أحدهم موضع قدميه ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه ، فتوفي أبو بكر ، وكان عمر ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة ، فتوفي عمر وكان عثمان ، وكانت الفتنة ، فتلفت الناس يمينا وشمالا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، ثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس ، أن أم أيمن بكت لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل لها : ما يبكيك على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : إني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت ، ولكني إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا . هكذا رواه مختصرا .
وقد قال : أخبرنا البيهقي أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، ثنا محمد بن نعيم قالا : ثنا ومحمد بن النضر الجارودي الحسن بن علي الحلواني ، ثنا ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ، عن سليمان بن المغيرة ، ثابت ، عن أنس قال : أم أيمن زائرا ، وذهبت معه ، فقربت إليه شرابا ، فإما كان صائما وإما كان لا يريده ، فرده ، فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تضاحكه . أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لعمر انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها . فلما انتهينا إليها بكت ، فقالا لها : ما يبكيك ؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم . قالت : والله ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أبكي أن الوحي انقطع من السماء . فهيجتهما على البكاء فجعلا [ ص: 161 ] يبكيان . فقال ورواه ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسلم منفردا به ، عن عن زهير بن حرب ، عمرو بن عاصم به .
وقال في قصة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخطبة موسى بن عقبة أبي بكر فيها ، قال : ورجع الناس حين فرغ أبو بكر من الخطبة ، قاعدة تبكي ، فقيل لها ما يبكيك ؟ قد أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأدخله جنته ، وأراحه من نصب الدنيا . فقالت : إنما أبكي على خبر السماء ، كان يأتينا غضا جديدا ، كل يوم وليلة ، فقد انقطع ورفع ، فعليه أبكي . فعجب الناس من قولها . وأم أيمن
وقد قال مسلم بن الحجاج في " صحيحه " : وحدثت ، عن أبي أسامة ، وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري : ثنا أبو أسامة ، حدثني بريد بن عبد الله ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تفرد به " إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها ، فجعله لها فرطا وسلفا يشهد لها ، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي ، فأهلكها وهو ينظر إليها ، فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره " مسلم إسنادا ومتنا .
وقد قال الحافظ : حدثنا أبو بكر البزار يوسف بن موسى ، ثنا عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، سفيان ، عن عبد الله بن السائب ، عن [ ص: 162 ] زاذان ، عن عبد الله ، هو ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله ملائكة سياحين ، يبلغوني عن أمتي السلام " قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم قال " حياتي خير لكم تحدثون ، ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم " البزار : لا نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه . قلت : وأما أوله ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام " فقد رواه من طرق متعددة ، عن النسائي وعن سفيان الثوري ، الأعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب ، به .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عن حسين بن علي الجعفي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، أوس بن أوس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي " قالوا : يا رسول الله ، كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ يعني قد [ ص: 163 ] بليت . قال : " إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام " وهكذا رواه أبو داود ، عن هارون بن عبد الله ، وعن الحسن بن علي ، عن والنسائي إسحاق بن منصور ، ثلاثتهم عن حسين بن علي به . ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن حسين بن علي ، عن ابن جابر ، عن أبي الأشعث ، عن شداد بن أوس ، فذكره . قال شيخنا أبو الحجاج المزي : وذلك وهم من ابن ماجه ، والصحيح أوس بن أوس ، وهو الثقفي رضي الله عنه .
قلت : وهو عندي في نسخة جيدة مشهورة على الصواب كما رواه أحمد ، وأبو داود : عن والنسائي أوس بن أوس .
ثم قال ابن ماجه : حدثنا عمرو بن سواد المصري ، ثنا عن عبد الله بن وهب ، عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أيمن ، عن عن عبادة بن نسي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي الدرداء " أكثروا الصلاة علي يوم [ ص: 164 ] الجمعة ، فإنه مشهود تشهده الملائكة ، وإن أحدا لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها "قال : قلت : وبعد الموت ؟ قال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ، عليهم السلام ، فنبي الله حي يرزق " وهذا من أفراد ابن ماجه رحمه الله .
وقد عقد الحافظ هاهنا بابا في إيراد الأحاديث المروية في ابن عساكر دائما إلى يوم الدين ، وموضع استقصاء ذلك في كتاب " الأحكام الكبير " إن شاء الله تعالى . زيارة قبره الشريف ، صلوات الله وسلامه عليه