خربندا ملك التتار ، كما تقدم وممن توفي فيها من الأعيان : ، وعز الدين بن ميسر ، والشهاب الكاشغري شيخ الشيوخ ، وشمس الدين بن الحظيري ، والبهاء العجمي ، مدرس النجيبية .
[ ص: 156 ] وفيها قتل خطيب المزة ، قتله رجل جبلي ، ضربه بفأس اللجام في رأسه في السوق ، فبقي أياما ومات ، وأخذ القاتل فشنق في السوق الذي قتل فيه ، وذلك يوم الأحد ثالث عشر ربيع الآخر ، ودفن هناك وقد جاوز الستين .
الشرف صالح بن محمد بن عربشاه بن أبي بكر الهمذاني ، مات في جمادى الآخرة ، ودفن بمقابر النيرب ، وكان مشهورا بطيب القراءة ، وحسن السيرة ، وقد سمع الحديث ، وروى " جزء ابن عرفة " .
صاحب " التذكرة الكندية " الشيخ الإمام ، المقرئ ، المحدث ، النحوي ، الأديب ، الإسكندراني ثم الدمشقي علاء الدين علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر بن زيد بن هبة الله الكندي ، سمع الحديث على أزيد من مائتي شيخ ، وقرأ القراءات السبع ، وحصل علوما جيدة ، ونظم الشعر الحسن الرائق الفائق ، وجمع كتابا في نحو من خمسين مجلدا ، فيه علوم جمة ، أكثرها أدبيات ، سماه " التذكرة الكندية " ، وقفها بالسميساطية ، وكتب حسنا ، وحسب جيدا ، وخدم في عدة خدم ، وولي مشيخة دار الحديث النفيسية في مدة عشر سنين ، وقرأ [ ص: 157 ] " صحيح " مرات عديدة ، وأسمع الحديث ، وكان يلوذ بشيخ الإسلام البخاري ابن تيمية ، وتوفي ببستانه عند قبة المسجف ليلة الأربعاء سابع عشر رجب ، ودفن بالمزة عن ست وسبعين سنة .
الطواشي ظهير الدين مختار البلبيسي ، الخزندار بالقلعة ، وأحد أمراء الطبلخاناه بدمشق ، كان زكيا ، خيرا ، فاضلا ، يحفظ القرآن ، ويؤديه بصوت طيب ، ووقف مكتبا للأيتام على باب قلعة دمشق ، ورتب لهم الكسوة والجامكية ، وكان يمتحنهم بنفسه ، ويفرح بهم ، وعمل له تربة خارج باب الجابية ، ووقف عليها المقرئين ، وبنى عندها مسجدا حسنا ، ووقفه بإمام ، وهي من أوائل ما عمل من الترب بذلك الخط ، ودفن بها في يوم الخميس عاشر شعبان ، رحمه الله ، وكان حسن الشكل والأخلاق ، عليه سكينة ووقار وهيبة ، وله وجاهة في الدولة ، سامحه الله ، وولي بعده الخزانة سميه ظهير الدين مختار الزرعي .
، كان من الأمراء المقدمين ، ولديه فضيلة ومعرفة وخبرة ، وقد ناب عن السلطان بدار العدل مرة الأمير بدر الدين محمد بن الوزيري بمصر ، وكان [ ص: 158 ] حاجب الميسرة ، وتكلم في الأوقاف ، وفيما يتعلق بالقضاة والمدرسين ، ثم نقل إلى دمشق ، فمات بها في سادس عشر شعبان ، ودفن بميدان الحصا فوق خان النجيبي ، وخلف تركة عظيمة .
الشيخة الصالحة ، ، ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا راوية " صحيح البخاري " ، وغيره ، جاوزت التسعين سنة ، وكانت من الصالحات ، توفيت ليلة الخميس ثامن عشر شعبان ، ودفنت بتربتهم بالقرب من الجامع المظفري بقاسيون .
القاضي محب الدين أبو الحسن علي ابن قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد ، استنابه أبوه في أيامه ، وزوجه بابنة الحاكم بأمر الله ، ودرس بالكهارية ، ورأس بعد أبيه ، وكانت وفاته يوم الاثنين تاسع عشر رمضان ، وقد قارب الستين ، ودفن عند أبيه بالقرافة .
[ ص: 159 ] الشيخة الصالحة المعمرة ، ، والدة الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، ست النعم بنت عبد الرحمن بن علي بن عبدوس الحرانية عمرت فوق السبعين سنة ، وكانت من الصالحات ، ولدت تسعة بنين ، ولم ترزق بنتا قط ، توفيت يوم الأربعاء العشرين من شوال ، ودفنت بالصوفية ، وحضر جنازتها خلق كثير ، وجم غفير ، رحمها الله .
، الكاتب الفاضل المعروف بابن البصيص الشيخ نجم الدين موسى بن علي بن محمد الحلبي ثم الدمشقي ، شيخ صناعة الكتابة في زمانه ، لا سيما في المزوج والمثلث ، وقد أقام يكتب الناس خمسين سنة ، وأنا ممن كتب عليه ، أثابه الله الجنة ، وكان شيخا حسنا بهي المنظر ، يشعر جيدا ، توفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة ، ودفن بمقابر باب الصغير ، وله خمس وستون سنة .
الشيخ تقي الدين الموصلي ، أبو بكر بن محمد بن أبي بكر بن أبي الكرم ، شيخ القراءة عند محراب الصحابة ، وشيخ ميعاد ابن عامر مدة طويلة ، وقد انتفع الناس به نحوا من خمسين سنة في التلقين والقراءات ، وختم خلقا كثيرا ، وكان يقصد لذلك ، ويجمع تصديقات يقولها الصبيان ليالي ختمهم ، وقد سمع الحديث ، وكان خيرا دينا ، توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي [ ص: 160 ] القعدة ، ودفن بمقابر باب الصغير ، رحمه الله .
الشيخ الصالح ، الزاهد ، المقرئ ، الله محمد بن الخطيب سلامة بن سالم بن الحسن بن ينبوب الماليني ، أحد الصلحاء المشهورين بجامع أبو عبد دمشق ، سمع الحديث ، وأقرأ الناس نحوا من خمسين سنة ، وكان يفصح الأولاد في الحروف الصعبة ، وكان مبتلى في فمه ، يحمل طاسة تحت فمه من كثرة ما يسيل منه من الريال وغيره ، وقد جاوز الثمانين بأربع سنين ، توفي بالمدرسة الصارمية يوم الأحد ثاني عشرين ذي القعدة ، ودفن بباب الصغير بالقرب من القلندرية ، وحضر جنازته خلق كثير جدا نحو من عشرة آلاف ، رحمه الله تعالى .
الشيخ صدر الدين بن الوكيل ، هو العلامة أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام مفتي المسلمين زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد ، المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل ، شيخ الشافعية في زمانه ، وأشهرهم في وقته بالفضيلة ، وكثرة الاشتغال ، والمطالعة ، والتحصيل ، والافتنان في العلوم العديدة ، وقد أجاد معرفة المذهب والأصلين ، ولم يكن في النحو بذاك القوي ، فكان يقع منه اللحن [ ص: 161 ] الكثير ، مع أنه قرأ فيه " المفصل " ، وكانت له محفوظات كثيرة ، ولد في شوال سنة خمس وستين وستمائة ، وسمع الحديث على المشايخ ، من ذلك " مسند للزمخشري " الإمام أحمد على ابن علان ، و " الكتب الستة " ، وقرئ عليه قطعة كبيرة من " صحيح مسلم " بدار الحديث عن الأمير الإربلي ، والعامري ، والمزي ، وكان يتكلم على الحديث بكلام مجموع من علوم كثيرة من الطب والفلسفة وعلم الكلام - وليس ذلك بعلم - وعلوم الأوائل ، وكان يكثر من ذلك ، وكان يقول الشعر جيدا ، وله ديوان مجموع مشتمل على أشياء لطيفة ، وكان له أصحاب يحسدونه ويحبونه ، وآخرون يحسدونه ويبغضونه ، وكانوا يتكلمون فيه بأشياء ، ويرمونه بالعظائم ، وقد كان مسرفا على نفسه ، قد ألقى جلباب الحياء فيما يتعاطاه من القاذورات والفواحش ، وكان ينصب العداوة للشيخ ابن تيمية ، ويناظره في كثير من المحافل والمجالس ، وكان يعترف للشيخ تقي الدين بالعلوم الباهرة ويثني عليه ، ولكنه كان يجاحف عن مذهبه وناحيته وهواه ، وينافح عن طائفته ، وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يثني عليه ، وعلى علومه ، وفضائله ، ويشهد له بالإسلام إذا قيل له عن أفعاله وأعماله القبيحة ، وكان يقول : كان مخلطا على نفسه ، متبعا مراد الشيطان منه ، يميل إلى الشهوة والمحاضرة ، ولم يكن كما يقول فيه بعض أصحابه ممن يحسده ويتكلم فيه . هذا أو ما هو في معناه . وقد درس بعدة مدارس بمصر والشام ، فدرس بدمشق بالشاميتين ، والعذراوية ، ودار الحديث الأشرفية ، وولي في وقت الخطابة أياما يسيرة كما تقدم ، ثم قام الخلق عليه وأخرجوها من يده ، ولم يرق منبرها ، ثم خالط نائب السلطنة الأفرم ، فجرت له أمور لا يحسن ذكرها ، ولا يرشد أمرها ، ثم آل به الحال على أن عزم على الانتقال من دمشق إلى حلب [ ص: 162 ] لاستحواذه على قلب نائبها ، فأقام بها ودرس ، ثم تردد في الرسلية بين السلطان ومهنا صحبة أرغون وألطنبغا ، ثم استقر به المنزل بمصر ، ودرس فيها بمشهد الحسين إلى أن توفي بها بكرة نهار الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة ، بداره ، قريبا من جامع الحاكم ، ودفن من يومه قريبا من الشيخ محمد بن أبي حمزة بتربة القاضي ناظر الجيش بالقرافة ، ولما بلغت وفاته دمشق صلي عليه بجامعها صلاة الغائب بعد الجمعة ثالث المحرم من السنة الآتية ، ورثاه جماعة منهم ابن غانم علاء الدين ، والقحفازي ، والصفدي ؛ لأنهم كانوا من عشرائه .
وفي يوم عرفة توفي الشيخ عماد الدين إسماعيل بن عبد الله الفوعي ، وكيل قجليس ، وهو الذي بنى له الباشورة على باب الصغير بالبرانية الغربية ، وكانت فيه نهضة وكفاية ، وكان من بيت الرفض ، اتفق أنه استحضره نائب السلطنة فضربه بين يديه ، وقام النائب إليه بنفسه فجعل يضربه بالمهاميز في وجهه ، فرفع من بين يديه وهو تالف ، فمات في يوم عرفة ، ودفن من يومه بسفح قاسيون ، وله دار ظاهر باب الفراديس .