[ ص: 11 ] فصل
قال الله تعالى في كتابه العزيز : الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل [ الزمر : 62 ] . فكل ما سواه تعالى فهو مخلوق له ، مربوب مدبر ، مكون بعد أن لم يكن ، محدث بعد عدمه ، فالعرش الذي هو سقف المخلوقات إلى ما تحت الثرى وما بين ذلك من جامد وناطق ، الجميع خلقه وملكه وعبيده وتحت قهره وقدرته وتحت تصريفه ومشيئته . خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير [ الحديد : 4 ] . وقد أجمع علماء الإسلام قاطبة لا يشك في ذلك مسلم أن كما دل عليه القرآن الحكيم ، واختلفوا في هذه الأيام أهي كأيامنا هذه ، أو كل يوم كألف سنة مما تعدون ؟ على قولين كما بينا ذلك في التفسير وسنتعرض لإيراده في موضعه . الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام
واختلفوا ؟ فذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لم يكن قبلهما شيء ، وأنهما خلقتا من العدم المحض . وقال آخرون بل كان قبل السماوات والأرض مخلوقات أخر لقوله تعالى : هل كان قبل خلق السماوات والأرض شيء مخلوق قبلهما وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء . [ هود : 7 ] . [ ص: 12 ] الآية . وفي حديث عمران بن حصين كما سيأتي . وقال كان الله ولم يكن قبله شيء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء ، ثم خلق السماوات والأرض : حدثنا الإمام أحمد بهز ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن حدس ، عن عمه أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي أنه قال : . ورواه عن يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ قال : كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ، ثم خلق عرشه على الماء ، عن يزيد بن هارون حماد بن سلمة به ولفظه أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ وباقيه سواء ، وأخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع ، عن وابن ماجه أبي بكر بن أبي شيبة ، ، ثلاثتهم عن ومحمد بن الصباح ، وقال يزيد بن هارون الترمذي : حسن ، واختلف هؤلاء في أيها خلق أولا ؟ فقال قائلون : خلق القلم قبل هذه الأشياء كلها ، وهذا هو اختيارابن جرير وغيرهما قال وابن الجوزي ابن جرير : وبعد القلم السحاب الرقيق واحتجوا بالحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود ، عن والترمذي عبادة بن الصامت رضي الله عنه [ ص: 13 ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القلم ، ثم قال له اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة أول ما خلق الله . لفظ إن أحمد ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، والذي عليه الجمهور فيما نقله وغيره ; أن العرش مخلوق قبل ذلك . وهذا هو الذي رواه الحافظ أبو العلاء الهمذاني ابن جرير من طريق الضحاك ، عن ابن عباس كما دل على ذلك الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه حيث قال : حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني أبو هانئ الخولاني ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عبد الله بن عمرو بن العاص . كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال : وعرشه على الماء
قالوا : فهذا التقدير هو كتابته بالقلم المقادير ، وقد دل هذا الحديث أن ذلك بعد خلق العرش ، فثبت تقدم خلق العرش على القلم الذي كتب به المقادير كما ذهب إلى ذلك الجماهير . ويحمل حديث القلم على أنه أول المخلوقات من هذا العالم ، ويؤيد هذا ما رواه عن البخاري عمران بن حصين قال : أهل اليمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم : جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ؟ فقال : كان الله ولم يكن شيء قبله . وفي رواية : معه وفي رواية : غيره قال . وفي لفظ وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء [ ص: 14 ] وخلق السماوات والأرض ثم خلق السماوات والأرض . فسألوه عن ابتداء خلق السماوات والأرض ، ولهذا قالوا جئناك نسألك عن أول هذا الأمر ، فأجابهم عما سألوا فقط ، ولهذا لم يخبرهم بخلق العرش كما أخبر به في حديث أبي رزين المتقدم . قال ابن جرير : وقال آخرون : بل خلق الله عز وجل الماء قبل العرش رواه ، عن السدي أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : إن الله كان عرشه على الماء ، ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء ، وحكى ابن جرير ، عن محمد بن إسحاق أنه قال : أول ما خلق الله عز وجل النور والظلمة ، ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما ، وجعل النور نهارا مضيئا مبصرا قال ابن جرير : وقد قيل إن الذي خلق ربنا بعد القلم الكرسي ، ثم خلق بعد الكرسي العرش ، ثم خلق بعد ذلك الهواء والظلمة ، ثم خلق الماء فوضع عرشه على الماء . والله سبحانه وتعالى أعلم