باستفراغ أو دواء يعارض فعله ويبطله بكيفيته أو بخاصيته [ ص: 92 ] وإن عدم الدواء فالاستفراغ الكلي ، وأنفعه الحجامة لا سيما مع حر المكان والزمان ، فإن القوة السمية تسري في الدم فتبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب فيكون الهلاك فإذا خرج الدم خرج معه الكيفية السمية ، فإن كان استفراغا تاما ذهب السم أو تقوى عليه الطبيعة . ومعالجة السم
وإنما احتجم عليه السلام في الكاهل وهو الحارك وهو ما بين الكتفين مقدم أعلى الظهر ; لأنه أقرب موضع يمكن حجمه إلى القلب وللترمذي وإسناده ثقات وقال حسن غريب عن قال : { أنس } كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين وهما عرقان في جانبي العنق والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين ولأبي داود بإسناد حسن من حديث { أبي هريرة } . والمراد داء سببه غلبة الدم وكذا معنى ما رواه أن من احتجم في هذه الأيام كان شفاء من كل داء أبو داود عن وابن ماجه أبي كبشة الأنماري مرفوعا { } . وعن من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء مرفوعا { ابن عباس } وقال { نعم الدواء الحجامة تذهب الدم وتجفف الصلب وتجلو عن البصر } وقال { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عرج به ما مر على ملإ من الملائكة إلا قالوا عليك بالحجامة } إسناده ضعيف رواه إن خير ما تحتجمون فيه سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين أحمد والترمذي وقال حسن غريب .
وفي موطإ بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { مالك } وعن إن كان دواء يبلغ الداء ، فإن الحجامة تبلغه مرفوعا { أبي هريرة } رواه إن كان في شيء مما يتداوون به خير ففي الحجامة أحمد وابن ماجه وأبو داود وعنده " مما تداويتم " من حديث ولأحمد سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحجم { } هو خير ما تداوى به الناس من حديث ولابن ماجه أنس والترمذي وقال حسن غريب من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن مسعود } . ليلة أسري به ما مر على ملإ من الملائكة إلا أمروه أن مر أمتك بالحجامة
قال بعض أصحابنا فلما احتجم من السم بقي أثره مع ضعفه لإرادة الله تكميل مراتب الفضل كلها له صلى الله عليه وسلم فظهر تأثير ذلك الأثر لما أراد الله إكرامه [ ص: 93 ] بالشهادة وظهر سر قوله تعالى : { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } ، فجاء ( كذبتم ) بالماضي لوقوعه وجاء ( تقتلون ) بالمستقبل لتوقعه كذا قال .
وقال وغيره : إنما قال : ( تقتلون ) لتوافق رءوس الآي وقال أبو البقاء المهدي وغيره : ليدل على أن ذلك من شأنهم أبدا وقد قال تعالى : { والله يعصمك من الناس } .
والمراد من القتل فلا يرد كونه أوذي أو أن الأذى كان قبل نزول الآية . ذكر ابن الجوزي وغيره هذين الجوابين . وهذه الآية توافق قوله صلى الله عليه وسلم لليهودية { } كذا قالت اليهودية واليهود : إن كنت نبيا لم يضرك وعلى هذا فيكون ما روي من وجود الألم وانقطاع الأبهر من السم مرسل أو منقطع أو يقال : إنه خلاف الأشهر فالقول بالأشهر المتفق على صحته أولى مع موافقته للكتاب العزيز . ما كان الله ليسلطك على ذلك أو علي
وصاحب القول الآخر يقول : هذه مرتبة كمال قد صحت بها الرواية ولا مانع من القول بها ، والمراد بالعصمة من القتل بالآية والخبر على وجه القهر والغلبة والتسليط وهذا لم يقع ، وأن المراد من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام محفوظ آمن مما لم يحفظ منه غيره ولم يأمن ولهذا في الصحيحين من حديث { جابر } ولهذا مات بعض من أكل معه من الشاة ، وقصدت اليهودية [ ص: 94 ] أنه إن لم يكن نبيا أنه يموت ، وعاش هو صلى الله عليه وسلم سنين على حاله قبل الأكل يتصرف كما كان فلم تقتله أنه لما نام وجاء أعرابي فاخترط سيفه فاستيقظ عليه السلام والسيف في يد الأعرابي فقال تخافني ؟ فقال : لا قال : فمن يعصمك مني قال : الله اليهود بفعلها كما قتلت غيره ، وأحسن الله سبحانه صنيعه إليه على جاري عادته تعالى ، فأظهر أثرا بعد سنين إكراما له بالشهادة ولا تعارض يبن الأدلة في ذلك والتوفيق بينها أولى والله أعلم .