[ ص: 34 ] فصل ( في ) خواص السمك
قد ورد ذكر السمك في الكتاب والسنة ، وأجوده ما لذ طعمه وطاب ريحه وتوسط مقداره رقيق القشر لا صلب اللحم ولا يابسه وكان في ماء عذب جار على حصباء يغتذي بنبات لا قذر فيه . وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء وكان يأوي الأماكن الصخرية ثم الرملية . والمياه العذبة الجارية لا قذر فيها ولا حمأة ، الكثيرة الاضطراب والموج المكشوفة للشمس والرياح . والسمك البحري فاضل محمود لطيف .
والطري من السمك بارد رطب في الثانية عسر الانهضام يخصب البدن ويسمنه ، ويزيد في المني معطش ، يرخي العصب ويورث غشاوة العين ، رديء للقولنج والأمراض الباردة صالح للمعدة الحارة وأصحاب الصفراء على أنه في الجملة بئس الغذاء ; لأن جميع اللزوجات الرديئة تتولد منه صنوف الأمراض ، والسمك يولد بلغما كثيرا مائيا قال بعضهم : إلا البحري وما يجري مجراه ، فإنه يولد خلطا محمودا . وأما المالح فأجوده قريب العهد بالتمليح ، وهو حار يابس وكلما تقادم عهده ازداد حره ، ويبسه ، يذيب البلاغم ويحدث البهق الأسود ، ويصلحه السعتر والكراويا وبعده الحلو والدهن قال بعضهم لا يصلح أن يؤكل منه إلا القليل مع الأغذية الدسمة .
والجري ضرب من السمك لا يأكله اليهود كثير اللزوجة وهو طري [ ص: 35 ] ملين للبطن ، وأكل المالح منه العتيق يصفي قصبة الرئة ويجود الصوت ، وإذا دق ووضع من خارج أخرج السلى والفضول من عمق البدن ; لأن له قوة جاذبة . وماء ملح الجري المالح إذا جلس من به قرحة الأمعاء من ابتداء العلة وافقه بجذب المواد إلى ظاهر البدن وإذا احتقن به أبرأ من عرق النسا ، وأجود ما في السمكة ما قرب من مؤخرها .