تقدم الكلام في الذباب وفي الذريرة في أوائل فصول الطب . وأما الذهب ففي السنة عن عرفجة أنه قطع أنفه فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه { } . والذهب معتدل لطيف يدخل في سائر المعجونات اللطيفة وللقرحات وهو أعدل المعدنيات وأشرفها ، وإذا دفن في الأرض لم يضره التراب ولم ينقصه شيئا ، وبرادته إذا خلطت بالأدوية نفعت من ضعف القلب والرجفان والخفقان العارض من السوداء . فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب
وقال ابن جزلة : ينفع من أوجاع القلب والخفقان ويقويه ، وقدر ما يؤخذ منه قيراط انتهى كلامه ، وينفع من حديث النفس والحزن والغم والفزع والعشق ويسمن البدن ويقويه ويذهب الصفار ويحسن اللون ، وينفع من الجذام وجميع الأوجاع والأمراض السوداوية ، وتدخل نحاتته في أدوية الثعلب وداء الحية شربا وطلاء ، ويجلو العين ويقويها ، وينفع من كثير من أمراضها ويقوي جميع الأعضاء .
وأفضل الكي وأسرعه ما كان بمكوى من ذهب ولا يتنفط موضعه وإمساك الذهب في الفم يزيل البخر ، وإن اتخذ منه ميل واكتحل به قوى العين وجلاها ، وإن اتخذ خاتم منه وكوى به قوادم أجنحة الحمام ألفت أبراجها ولم تنتقل عنها ، وله خاصية عجيبة في تقوية النفوس لأجلها أبيح في الحرب والسلاح منه ما أبيح وقد قال فيه أبو القاسم الحريري رحمه الله تعالى :
تبا له من خادع ممزق أصفر ذي وجهين كالمنافق [ ص: 24 ] يبدو بوصفين لعين الرامق
زينة معشوق ولون عاشق لولاه لم تقطع يمين سارق
ولا بدت مظلمة من فاسق ولا اشمأز باخل من طارق
ولا شكا الممطول مطل العائق ولا استعيذ من حسود راشق
وشر ما فيه من الخلائق أن ليس يغني عنك في المضايق
إلا إذا فر فرار الآبق
وقد قال بعض السلف أظنه رحمه الله بئس الصاحب أو الصديق الذهب والفضة لا ينفعانك حتى يفارقانك قال تعالى : { الحسن البصري زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب } .
أي المرجع ، وفيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة قال ابن الجوزي وهذه الأشياء المذكورة قد تحسن نية العبد في التلبس بها فيثاب عليها ، وإنما يتوجه الذم إلى سوء القصد فيها وبها وقال تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا } - إلى قوله - : { والآخرة عند ربك للمتقين } .