قال ابن عقيل خلافا لإحدى الروايتين عن التوبة من سائر الذنوب مقبولة لا تقبل أحمد ولا الزنديق ثم بحث المسألة وقال : الزنديق إذا ظهر لنا هل يجب أن نحكم بإيمانه الظاهر وإن جاز أن يكون عند الله عز وجل كافرا ؟ قال ولأن الزندقة نوع كفر فجاز أن تحبط بالتوبة كسائر الكفر من التوثن ، والتمجس والتهود ، والتنصر وكمن تظاهر بالصلاح إذا أتى معصية وتاب منها وقال : توبة القاتل
وليس الواجب علينا معرفة الباطن جملة وإنما المأخوذ علينا حكم الظاهر فإذا كان لنا في الظاهر حسن طريقته ، وتوبته وجب قبولها ولم يجز ردها لما بينا وإن جميع الأحكام تتعلق بها ، ولم أجد لهم شبهة أوردوها إلا أنهم حكوا عن أنه قتل زنديقا ولا أمنع من ذلك ، وإن الإمام إذا رأى قتله لأنه ساع في الأرض بالفساد ساغ له ذلك . علي
فأما أن تكون توبته لم تقبل بدلالة أن ويحكم بصحتها عند الله عز وجل في غير إسقاط الحد عنهم فليس من حيث لم يسقط القتل لا تصح التوبة . قطاع الطريق لا يسقط الحد عنهم بعد القدرة
ولعل رضي الله عنه عنى بقوله : لا تقبل في غير إسقاط القتل فيكون ما قبله هو مذهبه رواية واحدة . أحمد
وقال أيضا : وهو معنى ما ذكره الأصحاب لعل تعلق بأن فيه حق آدمي وذلك لا يمنع صحة التوبة لأنه تعلق به حق فالتوبة تسقط ما يثبت في معصية الله عز وجل ، ويبقى ظلم الآدمي ومطالبته على حالها وذلك لا يمنع صحة التوبة ، وكذلك قال هو ، وهو معنى كلام غيره كمن قال لا تقبل أحمد . توبة المبتدع
نحن لا نمنع أن يكون مطالبا بمظالم الآدميين ولكن لا يمنع هذا صحة التوبة كالتوبة من السرقة ، وقتل النفس ، وغصب الأموال صحيحة مقبولة ، والأموال والحقوق للآدمي لا تسقط ويكون هذا الوعيد راجعا إلى ذلك ، ويكون نفي القبول عائدا إلى القبول الكامل ، ومن كلام وذكر أنه نقل ذلك من كتب أخيه . القاضي أبي يعلى
قال المروذي سئل رضي الله عنه [ ص: 59 ] عما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أحمد } . وحجز التوبة أي شيء معناه ؟ قال أن الله عز وجل احتجز التوبة عن صاحب بدعة : لا يوفق ولا ييسر صاحب بدعة لتوبة . أحمد
وقال النبي صلى الله عليه وسلم { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء } فقال النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل البدع والأهواء ليست لهم توبة } قال لما قرأ هذه الآية : { الشيخ تقي الدين : لأن اعتقاده لذلك يدعوه إلى أن لا ينظر نظرا تاما إلى دليل خلافه فلا يعرف الحق ، ولهذا قال السلف إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية .
وقال وغيره : إن المبتدع لا يرجع . أيوب السختياني
وقال أيضا : التوبة من الاعتقاد الذي كثر ملازمة صاحبه له ومعرفته بحججه يحتاج إلى ما يقارب ذلك من المعرفة ، والعلم ، والأدلة ، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم { } قال اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شبابهم وغيره : لأن الشيخ قد عسا في الكفر فإسلامه بعيد بخلاف الشاب فإن قلبه لين فهو قريب إلى الإسلام وعن أحمد لا توبة لمن قتل مؤمنا متعمدا وقال إن آية الفرقان : { ابن عباس والذين لا يدعون مع الله إلها آخر } { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } . وقال أيضا عن آية النساء : لم ينسخها شيء وإن آية الفرقان نزلت في أهل الشرك . روى ذلك البخاري . ومسلم
وما روي عن في نفي قبول توبة القاتل يشبه والله أعلم أنه أراد به أن حق المقتول لا يسقط بمجرد التوبة إلى الله عز وجل بل لا بد من الخروج من مظلمة الآدميين وهذا حق كما قاله ابن عباس فإن من تمام توبته تعويض المظلوم فيمكن أولياء المقتول وإذا مكنهم فقتلوه ، أو عفوا عنه ، أو صالحوه على الدية فهل يسقط حق المقتول في الآخرة ؟ على قولين في مذهب [ ص: 60 ] ابن عباس وغيره . أحمد
ولعل كان ممن يقول : لا يسقط حق المقتول في الآخرة قال : وعلى هذا القول فيأخذ المقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح فإذا استكثر القاتل وغيره من أهل الظلم التائبين من الحسنات ما يوفي به غرماءه ، ويبقى له فضل كان بمنزلة من عليه ديون واكتسب أموالا يوفي بها ديونه ، ويبقى له فضل ، ويأتي كلام في توبة المبتدع وغيره أيضا . ابن عباس
ويؤيده ما قال في المسند حدثنا أحمد سفيان عن عن عمار سالم سئل عن رجل قتل مؤمنا ، ثم تاب ، وآمن وعمل صالحا ، ثم اهتدى قال : ويحك وأنى له الهدى ؟ سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : { ابن عباس } والله لقد أنزلها الله على نبيكم وما نسخها بعد إذ أنزلها قال : ويحك وأنى له الهدى ؟ يجيء المقتول متعلقا بالقاتل يقول يا رب سل هذا فيم قتلني ؟ عمار هو الذهبي إسناد جيد . ورواه وسالم هو ابن أبي الجعد النسائي من حديث وابن ماجه سفيان . ورواه أيضا بمعناه عن أحمد محمد بن جعفر عن وروح عن شعبة سمعت مسلم فذكره بإسناد جيد ابن عباس ومسلم هو ابن مخراق .
وينبغي أن يقال : إذا قيل لا توبة له معناه يعذب على هذا الذنب ولا بد ، ثم يخرج كأهل الكبائر إذا لم يتوبوا ، لا أنه لا يخرج من النار أبدا ولم أجد هذا صريحا عن ولا عن ابن عباس ، وحكاه بعضهم قولا في التفسير ، ولا وجه له فإنه لا يكفر بذلك عند أحمد أهل السنة ولا وجه عندهم لتخليد مسلم في النار .