فصل ( ) . قبول الهدية إذا لم تكن على عمل البر
قال أبو الحارث : إن سئل عن الرجل يسأله الرجل الحاجة فيسعى معه فيها فيكافئه على ذلك بلطفه يهدي له ترى له أن يقبلها ؟ قال إن كان شيء من البر وطلب الثواب كرهت له ذلك ، فهذا النص إنما فيه الكراهة لمن طلب البر والثواب ، وظاهره يجوز لغيره ، ونظيره قول أصحابنا في أبا عبد الله ، وإنه ظاهر كلام المعلم إن أعطي شيئا بلا شرط جاز ، وكرهه بعض العلماء لحديث القوسين . أحمد
قال في المغني : يحتمل أنه قصد القربة فكرهه له أو غير ذلك ، وقال صالح ولد لي مولود فأهدى إلي صديق لي شيئا ، فمكثت على ذلك أشهرا ، وأراد الخروج إلى البصرة فقال لي : كلم لي يكتب لي إلى المشايخ أبا عبد الله بالبصرة فكلمته ، فقال : لولا أنه أهدى إليك كتبت فلست أكتب له .
وقال صالح قلت لأبي : رجل [ ص: 299 ] أودع رجلا وديعة فسلمها إلى الذي أودعه فأهدى إليه شيئا يقبله أم لا ؟ فقال أبي : إذا علم أنه إنما أهدى إليه لأداء أمانته فلا يقبل الهدية إلا أن يكافئ بمثلها ، وهذا موافق لرواية أبي الحارث السابقة .
وقال يعقوب قال أبو عبد الله . وظاهر الرواية التحريم مطلقا أو الكراهة ، واختار التحريم الشيخ لا ينبغي للخاطب إذا خطب لقوم أن يقبل لهم هدية تقي الدين بن تيمية في كل شفاعة فيها إعانة على فعل واجب أو ترك محرم وفي شفاعة عند ولي أمر ليوليه ولاية أو يستخدمه في المقاتلة ، وهو مستحق لذلك أو ليعطيه من الموقوف على الفقراء ، أو القراء والفقهاء ، أو غيرهم ، وهو من أهل الاستحقاق ونحو ذلك وقال هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار ، وقد رخص بعض الفقهاء المتأخرين في ذلك وجعل هذا من باب الجعالة يعني من الشافعية قال : وهذا مع مخالفته للسنة وأقوال الصحابة والأئمة فهو غلط لأن مثل هذا من المصالح العامة التي القيام بها فرض عين أو كفاية ، فيلزم من أخذ الجعل فيه ترك الأحق ، والمنفعة ليست للباذل بل للناس ، وطلب الولاية منهي عنه فكيف ؟ بالعوض فهذا من باب الفساد . انتهى كلامه .
وهذا المعنى الذي احتج به خاص ، ويتوجه لأجله قول ثالث وهو معنى كلام ابن الجوزي الآتي ، وأما الخبر الذي احتج به فقال أبو داود في سننه : باب ثم روى عن الهدية للحاجة أبي أمامة مرفوعا : { } من رواية من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا وقد وثقه القاسم بن عبد الرحمن ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسوي والترمذي وقال أبو حاتم لا بأس به وقال الجوزجاني كان خيرا فاضلا وتكلم فيه أحمد وقال وابن حبان ، ابن حراش ضعيف جدا وقال ابن الجوزي ضعيف بمرة واحدة .
ورواه من [ ص: 300 ] رواية أحمد وضعفه مشهور ، وفي صحته نظر ، وكيف يكون هذا بابا عظيما من الربا ثم يحمل على شفاعة متعينة لا سيما في ولاية ، أو على قصد القربة ، ولهذا رتب ابن لهيعة . الهدية على الشفاعة
ورأيت تعليقا على كلام على النسخة العتيقة القاضي لابن تيمية ، وعليها خط جماعة من أصحابنا منهم الحسن بن أحمد ابن البنا نسخه سنة سبع وعشرين وأربعمائة رأيت على المجلدة الأخيرة : لا يجوز أخذ . ثم ذكر رواية العوض في مقابلة الدفع عن المظلوم أبي الحارث السابقة وقال : فإذا كره ذلك فيما لا يجب عليه فعله فأولى أن يكره فيما يجب عليه من دفع المظالم ، ثم ذكر أن وصاحبه ابن بطة أبا حفص رويا خبر أبي أمامة ونحو ذلك .
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وبإسناده عن ابن عمر { زاذان أنه سمع يقول عمر : إياك والهدية في سبب الشفاعة فإن ذلك من السحت لمسروق بن الأجدع } ثم ذكر رواية يعقوب السابقة ، ثم قال : وذكر ابن حفص في كتاب الهبات باب كراهة قال الهدية على تعليم القرآن الأثرم : الرجل يعطى عند المفصل قال : لا يعجبني . انتهى كلامه . لأبي عبد الله
وتكلم أبو مسعود لرجل في حاجة فأهدى له هدية فأمر بإخراجها وقال : آخذ أجر شفاعتي في الدنيا ، رواه صالح عن أبيه عن إسماعيل ابن عوف عن محمد عنه .
وعن في هذه المسألة أنه ردها وقال إنا أهل بيت لا نأخذ على معروفنا ثمنا . رواه عبد الله بن جعفر صالح عن أبيه عن وقد ضعفه جماعة عن علي بن عاصم خالد الحذاء عن وهشام بن حسان محمد عنه . وقد كان إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج صاحب التصانيف الحسان ومن أهل الفضل والعلم مع حسن الاعتقاد أدب القاسم بن عبيد الله فلما تولى القاسم الوزارة كان وظيفة أبي إسحاق عنده أنه يعرض عليه القصص ويقضي عنده الأشغال ويشارط على ذلك ، ويأخذ ما أمكنه وقصته مشهورة .
وقال أبو الفرج بن الجوزي في المنتظم بعد أن ترجم أبا إسحاق بهذه [ ص: 301 ] الترجمة ، وذكر قصته قال : رأيت كثيرا من أصحاب الحديث والعلم يقرءون هذه الحكاية ويتعجبون ، مستحسنين لهذا الفعل ، غافلين عما تحته من القبيح ، وذلك لأنه يجب على الولاة إيصال قصص المظلومين وأهل الحوائج ، فإقامة من يأخذ الأجعال على هذا القبيح حرام ، وهذا مما وهي به وهيا عظيما ، ولا يرتفع لأنه إن كان يعلم ما في باطن ما قد حكاه عن نفسه فهذا جهل بمعرفة حكم الشرع ، وإن كان يعرف فحكايته في غاية القبح ، فنعوذ بالله من قلة الفقه ، انتهى كلامه . ولنا خلاف مشهور في أخذ الأجرة والجعالة على تحمل الشهادة وأدائها والتفرقة ، فغاية الشفاعة كذلك . الزجاج
ونص رضي الله عنه على أن لو أحمد أنه يصح ، قال أصحابنا : لأنه جعالة على فعل مباح ، قالوا : يجوز قال : اقترض لي مائة ولك عشرة . ، وأن المجعول له يستحق الجعل مسلما كان أو كافرا . وقاسوه على أجرة الدليل . للإمام أن يبذل جعلا لمن يدل على ما فيه مصلحة للمسلمين
وأما ما يروى عن وسئل عن السحت فقال : أن تشفع لأخيك شفاعة فيهدي لك هدية فتقبلها ، فقيل له : أرأيت إن كان هدية في باطل قال : ذلك كفر { ابن مسعود ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } . ففي صحته نظر ، والمعروف عنه : وإنما السحت أن يستعينك على مظلمة ، فيهدي لك فلا تقبل ثم يجاب عنه بما سبق ، والله سبحانه أعلم .