ولكن تنازع المسلمون في والذي نصرناه في غير هذا الموضع أنه لا يقع به أيضا، كما هو قول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: السكران، عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس ولم نعلم أنه ثبت عن صحابي خلاف ذلك صريحا، وهو قول طوائف من أئمة التابعين، وهو إحدى الروايتين عن وعقبة بن عامر، اختارها أئمة من أصحابه، أحمد كأبي بكر الخلال وأبي الخطاب وغيرهما، وهو طرد ما ذكرناه من الطلاق إذا كان إنما أبيح للحاجة، وهي جلب منفعة أو دفع مضرة، فلم يقع إلا ممن له قصد صحيح يجلب به المنفعة ويدفع به المضرة، وحينئذ فإقدامه عليه دليل الحاجة. [ ص: 347 ]
وأما لأنه اتخذ آيات الله هزوا، كما يلزم الكفر لمن تكلم به مستهزئا؛ لأنه اتخذ آيات الله هزوا، لئلا يستهزئ أحد بآيات الله. وهذا إذا قيل عوقب به كانت العقوبة تدفع أن يستهزئ أحد بآيات الله، كما أن تكفير المسلم بآيات الله هزوا يمنع أن يستهزئ أحد بآيات الله، فكان في إيقاع الطلاق به زوال هذه المفسدة، وكان ما حصل له من الضرر ضررا بمن يستحق هذا الضرر، بخلاف المكره وبخلاف السكران، فإن ذنبه هو الشرب، ليس ذنبه إيقاع الطلاق، والشارع لا يعاقبه على الشرب بالتزام ما يمكن أن يتكلم به، ولو كان ذلك لعاقبه بالقتل؛ لأن السكران قد يتكلم بالكفر، كما قد يتكلم بالطلاق. الهازل فذاك لزمه عند من يقول به؛
وعلى هذا فإذا قالوا: الطلاق لغير حاجة محرم أو مكروه، قالوا: إن الطلاق الشرعي مباح مأذون فيه. وهذا معنى قوله: ، أي: أبغض ما أبيح للحاجة وهو محرم بغيض إلى الله بدونها: الطلاق، كما تقول: أبيحت المحرمات للمضطر، أي أبيح له عند الضرورة ما كان محرما بدونها، ليس المراد به أن الشيء في حال واحدة يكون حلالا حراما، كذلك الشيء في حال واحدة لا يكون بغيضا إلى الله مأذونا فيه من جهته، فإن هذا تناقض. "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"