فصل
في حق الله على عباده وقسمه من أم القرآن، وما يتعلق بذلك من محبته وفرحه ورضاه ونحو ذلك [ ص: 44 ] فصل
في حق الله على عباده، وقسمه من أم القرآن، وما يتعلق بذلك من محبته وفرحه ورضاه، ونحو ذلك.
قال الله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين وقوله: ما أريد منهم من رزق هو نكرة في سياق النفي، تعم كل رزق، فيعم اللفظ: من رزق لي، ومن رزقي لهم، ومن رزق من بعضهم لبعض، لكن قوله بعد ذلك: وما أريد أن يطعمون والإطعام هو رزق له، فقد يقال: هو تخصيص بعد تعميم، وقد يقال: الأول رزق المخلوق والثاني [يتعلق] بالخالق، فيكون المعنى: ما خلقتهم إلا ليعبدون، لا ليطعمون، ولا ليرزقوا أحدا، فإن الله هو الرزاق الذي يرزق الخلق، وهو ذو القوة المتين.
فبين الله بهذه الآية أنه خلقهم لعبادته التي أرادها منهم، فهي مراده ومطلوبه، لا يريد منهم أن يرزقوه، ولا أن يطعموه، لأنه لما نفى الإرادة عن الرزق وإطعامه، دل على إثباتها للعبادة، وفي إثباتها للعبادة ونفي إرادة الرزق والإطعام دليل على أن له حقا عليهم [ ص: 46 ] يريده منهم، وهو محب له، راض به.
وقال تعالى: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ، وقال: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، وقال: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ، وقال: إن الله يحب المقسطين ، وقال: يحبهم ويحبونه ، وقال: فاتبعوني يحببكم الله ، وقال: رضي الله عنهم ورضوا عنه في مواضع .
وقد جاءت السنة بذكر حقه عليهم، في الصحيح عن قال: معاذ بن جبل أتدري ما معاذ! أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم". حق الله على عباده؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا
وروى في كتاب الدعاء مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: الطبراني ". "يقول [ ص: 47 ] الله: يا عبدي! إنما هي أربعة: واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين خلقي، فأما التي لي، فتعبدني لا تشرك بي شيئا، وأما التي هي لك، فعملك أجزيك به أحوج ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينك، فمنك الدعاء وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين خلقي، فأت إلى الناس ما تحب أن يأتوه إليك
وفي صحيح عن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى: أبي هريرة فإذا قال العبد: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، الحمد لله رب العالمين ، يقول الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم ، يقول الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين ، يقول الله: مجدني عبدي- وفي رواية: فوض إلي عبدي- وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال: فهذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الله: فهؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل".
ففي هذا الحديث أن النصف الأول- وهو الحمد والثناء والتمجيد والعبادة- لله تعالى، والنصف الثاني- وهو الاستعانة والمسألة- للعبد، هذا مع العلم بأن [و] [ ص: 48 ] لا بد أن تكون للنصف الذي هو للرب خاصية تعود إلى الرب، تميزها عن نصف العبد، وإلا فإذا كان للعبد في كلاهما أجر وثواب، فتخصيص أحدهما بأنه للرب، لا بد فيه من خاصية للرب. العبد يثاب على حمده وثنائه وعبادته، وقد يحصل له بذلك من الثواب أكثر مما يحصل بالاستعانة والسؤال،
وأيضا فإن الله أخبر إن الشرك لظلم عظيم ، وقال تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم الآية ، وقد ورد في الصحيحين عن قال: ابن مسعود لقمان: إن الشرك لظلم عظيم أو كما قال. لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى قول
وفي الحديث عن طائفة من السلف، وروي مرفوعا : "الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئا، وهو الشرك، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا. فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئا، فهو الشرك، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا، فهو ظلم العبد نفسه، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فهو الظلم للعباد بعضهم بعضا".
وقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن [ ص: 49 ] يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون ، فجعل وهذا يقتضي أن لله فيه حقا قد ضيعه العبد، لا أنه مجرد ظلم العبد نفسه كالمعاصي، وإن كانت المعاصي مخالفة لأمر الله وتركا لما أوجبه، وجناية على دين الله. الظلم في حق الله تعالى قسما خارجا عن ظلم العبد نفسه، وعن ظلم العباد،