فصل
وأما إذا نقصت المنفعة، مثل نقص الماء المعتاد عن السماء وعن الأرض، بحيث ينتفع به نصف المنفعة المستحقة أو أقل أو أكثر، فكلام وأصوله تقتضي أنه أحمد فإنه قال: يحط عنه من الأجرة بقدر ما لم ينتفع بها، أو بقدر انقطاع الماء عنها. ولو تغيبت المنفعة أو كانت معيبة، فقياس مذهبه أن للمستأجر المطالبة بالأرش مع الإمساك، كما يقول ذلك في البيع وأولى، لاسيما وعنه في ممسك المصراة هل له المطالبة بالأرش [ ص: 240 ] روايتان. ومن أصحابه من قال: ليس له الإمساك إلا بكل الأجرة، وضعف هذا على أصل يحط عنه من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة، ظاهر بين. وإنما الكلام إذا قلنا: إنه ليس للبائع إلا المطالبة بالأرش مع إمكان الرد. أحمد
فنظير هذه المسألة في الإجارة أن تظهر العين المؤجرة معيبة في استيفاء شيء من المنفعة، فهذه الصورة كالبيع، وأما إذا كان قد ازدرع الأرض، ثم عابت في أثناء المدة، ونقصت منفعتها، فهنا لا عليه رد جميع المنفعة، بل غايته الفسخ في المستقبل. وإذا فسخ في المستقبل كان له إبقاء زرعه بأجرة المثل، ومعلوم أن إبقاءه بقسطه من الأجرة أولى. كما نقول: هذا مذهب إذا تعطلت المنفعة في أثناء المدة أنه ينفسخ الإجارة فيما بقي من المدة، ويجب للماضي قسطه من الأجرة. مالك وأحمد وجعل بعض أصحابه له قولا بالانفساخ في الجميع، ووجوب أجرة المثل للماضي، كالهلاك الطارئ في بعض المبيع، ومعلوم أن المستأجر إذا كان له زرع في الأرض لم يمكنه إذا فسخ رد المنفعة، بل له إبقاؤه بأجرة المثل، فإبقاؤه بقسطه من المسمى مع أنه يحط عنه قسط ما نقص من المنفعة أولى. فعيب المنفعة في الإجارة إن كانت قبل تسلم شيء من المنفعة فهذا كالبيع، وإن كانت بعد استيفاء شيء من المنفعة فلها صورتان: والشافعي،
إحداهما: أن يتعذر رد العين المؤجرة لما له فيها من الزرع ونحو ذلك.
والثانية: أنه يمكن رد العين، كالدار المعيبة والطاحون والحانوت.
فهنا يتوجه قول من يقول: ليس له إلا الفسخ، أو الإمساك بالأجرة كلها، إذا قلنا بمثل ذلك في البيع. ويتوجه أن يقال: بل هنا يحط عنه من الأجرة، وإن قلنا: ليس له في البيع أن يمسك بالأرش مع [ ص: 241 ] إمكان الرد؛ لأنه قد استوفى بعض المنفعة، وتلف بعضها، فهو كما لو اشترى أعيانا، فتلف بعضها قبل التمكن من القبض، فإنه يحط عنه من الثمن بقدر قسط التالف قبل التمكن من القبض، كما لو تلف بعض الثمرة في الجوائح، وكان أكثر من الثلث، فإنه يحط عنه من الثمن بقدر التالف بلا نزاع عند من يقول بوضع الجوائح، فتلف بعض المنفعة كتلف بعض الثمرة، ومعلوم أن انقطاع بعض الماء أو تعطل بعض الأرض ذهاب بعض المنفعة.
(آخر ما كتب فيها، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
علقها لنفسه أحوج الخلق إلى رحمة الله محمد بن أبي شامة الحنبلي، عفا الله عنه وعن والديه وعن جميع المسلمين) .
* * * [ ص: 242 ]