فصل
وإذا كان وهذا الجزاء لا يقف إلا على فعل الواجب، فإن كل من أدى الواجب فقد استحق الثواب، ودرأ العقاب، وذلك يدل على أن الإحسان واجب، وقد قال تعالى: الله قد شرط في من له أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون أن يكون محسنا مع إسلام وجهه لله، دل بذلك على أن الإحسان شرط في استحقاق هذا الجزاء، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين والأمر يقتضي الوجوب.
وقال تعالى: ما على المحسنين من سبيل ، ومن فعل الواجب فما عليه من سبيل، إنما السبيل على من أساء بترك ما أمر به، أو فعل ما نهي عنه.
وقال تعالى: من جاء بالحسنة فله خير منها ونظائره كثيرة.
وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ففي هذا الحديث أن الإحسان واجب على كل حال، حتى في حال إزهاق النفوس، ناطقها وبهيمتها، فعلمه أن يحسن القتلة للآدميين والذبحة للبهائم. والإحسان الواجب هو فعل الحسنات، [ ص: 35 ] وهو أن يكون عمله حسنا، ليس المراد بذلك فعل الإحسان التطوع، وهذا الإحسان في حق الله، وفي حقوق عباده، فأما في حق الله ففعل ما أمره به من غير أن يتعلق المأمور [به] ، وأما في حق عباده ففعل ما أوجب لهم من الإحسان، وترك ما لا يجوز من الإساءة. وأصل ذلك إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولهذا ثنى الله ذكر هذين الأصلين في القرآن في مواضع كثيرة جدا، وقال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى الآية . وإذا كان الإحسان إلى الخلق واجبا، وإن كان قد يكون مستحبا أيضا، فالإحسان إليهم جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم.