[ ص: 379 ] فصل
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [ ص: 380 ] [ ص: 381 ] فصل
قال الله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون . قال بعض السلف: هم خير أمة إذا قاموا بهذا الشرط، فمن لم يقم بهذا الشرط فليس من خير أمة.
قال: واتفق أئمة الدين على أن لكنه فرض على الكفاية كالجهاد وتعلم العلم ونحو ذلك، فإذا قام به من يستكفى به سقط عن الناس، وكان الأجر والدرجة لمن قام به. ومن كان عاجزا عما أمر الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأراد أن يقوم به وجب على غيره أن يعاونه، حتى يحصل المقصود الذي أمر الله به ورسوله، كما قال تعالى: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر واجب على الناس، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان .
فكل رسول أرسله الله وكل كتاب أنزله الله يتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والمعروف اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، والمنكر اسم جامع لكل ما يكرهه ويسخطه. وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لعقوبة الدنيا قبل الآخرة، فلا يظن الظان أنها تصيب الظالم الفاعل للمعصية دونه مع سكوته عن الأمر والنهي، بل تعم الجميع. [ ص: 382 ]
وينبغي أن يكون الآمر فقيها فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، رفيقا فيما ينهى عنه، حليما فيما يأمر به، حكيما فيما ينهى عنه، رفيقا عالما قبل الأمر والنهي، رفيقا حين الأمر والنهي، حليما صبورا بعد الأمر والنهي، كما قال تعالى في قصة لقمان: وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ، فإن الآمر إنما هو مجاهد في سبيل الله، إذ .... أن يفعل ذلك عبادة لله، وطاعة لله ورسوله، وطلبا للنجاة من عقاب الله، ونصحا لعباد الله، لا يفعله لطلب العلو والرئاسة على الناس، ولا لعداوة أو حقد في نفسه على المأمور والمنهي، ولا لغرض يناله بذلك، يكون أمره بالمعروف معروفا غير منكر، ونهيه أيضا معروف غير منكر. وإلا فمتى أراد أن يزيل منكرا بمنكر كان كمن يريد غسل الخمر بالبول، ومن فعل ذلك فقد يكون خسرانه أكثر من ربحه، وقد يكون أقل أو أكثر. والله أعلم.